فقال لي عياش: نعم، وقد كتبنا بخبره. فأعدت النظر فوجدت الكتاب في أضعاف القراطيس، وإذا الرجل قد شهد عليه بالقتل وأقر به. فأمرت باحضاره، فلما رأيت ما به من الارتياع قلت له: إن صدقتني أطلقتك.
فانبرى يحدثني، وذكر أنه كان هو وعدة من أصحابه يرتكبون كلّ عظيمة ويستحلون كل محرّم، وأنه كان اجتماعهم في منزل بمدينة أبي جعفر المنصور يعكفون فيه على كل بليّة؛ فلما كان هذا اليوم جاءتنا عجوز كانت تختلف للفساد ومعها جارية بارعة الجمال، فلما توسطت الجارية الدار صرخت صرخة عظيمة ثم أغمي عليها؛ فلما أفاقت قالت: الله! الله في! فإن هذه العجوز خدعتني وأعلمتني أن في جيرانها قوما لهم حقّ عظيم لم يكن مثله، وشوقتني إلى النظر إلى ما فيه، فخرجت معها واثقة بقولها، فهجمت بي عليكم، وجدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأمي فاطمة وأبي الحسين بن علي، فاحفظوهم فيّ! قال: فكأنها أغرتهم بنفسها. فقمت دونها ومنعت منها، وقاتلت من أرادها، ونالتني جراحات أظهرها فرأيتها، قال: وعمدت إلى أشدّهم كان في أمرها، فقتلته وخلّصت الجارية آمنة ممّا خافته؛ فسمعتها تقول: سترك الله كما سترتني، وكان لك كما كنت لي! وسمع الجيران فدخلوا إلينا، والرجل متشحط بدمائه، والسكين في يدي، فرفعت على هذه الحال.
قال إسحاق: فقلت له قد وهبتك لله ورسوله، قال: فوحق الذي وهبتني لهما لا عاودت معصية ولا دخلت في ريبة أبدا.
«87» - أمر الحجاج باحضار رجل من السجن، فلما حضر أمر بضرب عنقه، فقال: يا أيها الأمير أخّرني إلى غد، قال: وأي فرج لك في تأخير يوم واحد؟ ثم أمر برده إلى السجن. فسمعه الحجاج وهو يذهب به إلى السجن يقول: [من الطويل]