إليّ فجلس معي. ثم خرج الحاجب فأدخلني إليه، فإذا هو على كرسي جالس وعلى رأسه وصيفة بيدها غلاف مرآة ومشط يسرح لحيته. فقال لي: يا مسلّم، ما الذي أبطأ بك عنّا؟ فقلت له: أيها الأمير قلة ذات اليد. فأنشدته قصيدتي التي مدحته بها: [من البسيط]
أجررت حبل خليع في الصبا غزل
فلما صرت إلى قولي: [من البسيط]
لا يعبق الطيب خديه ومفرقه
قال للجارية: انصرفي فقد حرّم مسلّم علينا الطيب. فلما فرغت من القصيدة قال لي: يا مسلّم، أتدري ما الذي حداني على أن وجهت إليك؟ قلت: لا والله ما أدري. فقال: كنت عند الرشيد منذ ليال أغمّز رجليه إذ قال: يا يزيد من القائل فيك: [من البسيط]
سلّ الخليفة سيفا من بني مطر ... يمضي فيخترم الأجسام والهاما
كالدهر لا ينثني عما يهمّ به ... قد أوسع الناس إنعاما وإرغاما
فقلت: لا والله ما أدري، فقال الرشيد: يا سبحان الله! إنك مقيم على أعرابيتك، يقال فيك مثل هذا الشعر ولا تدري من قائله؟ فسألت عن قائله فأخبرت أنك أنت هو؛ فقم حتى أدخلك على أمير المؤمنين. ثم قام فدخل إلى الرشيد، فما علمت حتى خرج عليّ الآذن، فأدخلت على الرشيد فأنشدته ما لي فيه من الشعر، فأمر لي بمائتي ألف درهم. فلما انصرفت إلى يزيد أمر لي بمائة وتسعين ألفا وقال لي: لا يجوز لي أن أعطيك مثل ما أعطاك أمير المؤمنين، وأقطعني اقطاعات تبلغ غلتها مائتي ألف درهم.
«84» - قال المستعين: كان المنتصر قد جعلني في ناحية أخيه موسى