«14» - ومن غرائب الفأل والطيرة ما يروى عن المنذر بن ماء السماء في يومي نعيمه وبؤسه. وأصل ذلك فيما زعموا أن المنذر نادمه رجلان من بني أسد، أحدهما خالد بن المضلل والآخر عمرو بن مسعود بن كلدة، فأغضباه في بعض المنطق، فأمر بأن يحتفر لكلّ واحد منهما حفيرة في ظهر الحيرة، ثم يجعلا في تابوتين ويدفنا في الحفيرة، ففعل ذلك بهما حتى إذا أصبح سأل عنهما، فأخبر بمكانهما وهلاكهما. فندم على ذلك وغمّه، ثم ركب حتى نظر إليهما فأمر ببناء الغريّين عليهما، فبنيا. وجعل لنفسه يومين في السنة يجلس فيهما عند الغريين، سمى أحدّهما يوم نعيم والآخر يوم بؤس؛ فأول من طلع عليه يوم نعيمه يعطيه مائة من الإبل سهما أي سودا، وأوّل من يطلع عليه يوم بؤسه يعطيه رأس ظربان أسود ثم يأمر به فيذبح ويغرى بدمه الغريان. فلبث بذلك برهة من دهره.
ثم إن عبيد بن الأبرص كان أوّل من أشرف عليه في يوم بؤسه، فقال: هلا كان الذبح لغيرك يا عبيد، فقال: أتتك بحائن رجلاه، فأرسلها مثلا؛ فقال له المنذر:
أو أجل بلغ مداه، وقال له المنذر: أنشدني فقد كان شعرك يعجبني، فقال عبيد:
حال الجريض دون القريض وبلغ الحزام الطّبيين، فأرسلها مثلا؛ فقال له:
المنذر: اسمعني، فقال: المنايا على الحوايا، فأرسلها مثلا؛ فقال المنذر: قد أمللتني فأرحني قبل أن آمر بك، فقال عبيد: من عزّ بزّ، فأرسلها مثلا؛ فقال المنذر:
أنشدني قولك: «أقفر من أهله ملحوب» ، فقال عبيد: [من الرجز]
أقفر من أهله عبيد ... فاليوم لا يبدي ولا يعيد
غنّت له خطة كؤود ... وحان منه فاعلمن ورود