والخير والشرّ مقرونان في قرن ... فالخير متّبع والشرّ محذور
فقال كسرى: إلى أن يملك ساسان أربعة عشر قد كانت أمور. فملك منهم عشرة أربع سنين، وملك الباقون إلى زمن عثمان رحمه الله.
6- ويزعمون أن أمية بن أبي الصلت الثقفي، بينا هو يشرب مع إخوان له في قصر غيلان بالطائف، إذ سقط غراب على شرفة القصر، فنعب نعبة، فقال أمية: بفيك الكثكث- وهو التراب- فقال أصحابه: ما يقول؟ قال:
يقول: إنك إذا شربت الكأس الذي بيدك مت. ثم نعب نعبة أخرى، فقال أمية: كذلك، فقال أصحابه: ما يقول؟ قال زعم أنه يقع على هذه المزبلة أسفل القصر فيستثير عظما ويبتلعه فيشجى به ويموت، فقلت: نحو ذلك.
فوقع الغراب على المزبلة فأثار العظم وابتلعه فشجي به فمات، فانكسر أمية، ووضع الكأس من يده، وتغير لونه. فقال له أصحابه: ما أكثر ما سمعنا مثل هذا وكان باطلا، وألحّوا عليه حتى شرب الكأس، فمال في شق أغمي عليه، ثم أفاق ثم قال: لا بريء فأعتذر ولا قوي فأنتصر [1] ، ثم خرجت نفسه.
وهذا وإن كان مخرجه مخرج الزجر فهو بالكهانة أليق، فإن الزجر الذي يستخرج باللفظ أو بالأمارات ولا ينتهي إلى هذا البيان، على أن إدراك ذلك لبشر من غير وحي ولا إلهام إلهي غير مقبول. وقد كان أمية يتكهن ويطمع في النبوة، ويزعم أن له رئيّا يأتيه من شقه الأيسر، ويحب أن يأتيه في ثياب سود، وذكر ذلك لراهب [2] قال: كدت أن تكونه ولست هو، إن صاحب هذا الأمر يأتيه رئيه من شقه الأيمن، وأحب الثياب إليه أن يأتيه فيها البياض. وأدرك عدوّ الله نبوة نبينا صلّى الله عليه وسلّم، فحسده ولم يؤمن به بعد أن كان يتوقع النبوة في رجل من العرب، ويتحقق أن ذلك كائن.