سنامها وأطاييها وكبدها، فيقلبها على الجمر فيأكل ويأكلن معه، ويشرب من ركوة كانت معه، ويغنيهنّ وينبذ إليهنّ وإلى العبيد والخدم من الكباب حتى شبعن وطربن. فلما أراد الرحيل قالت إحداهنّ: أنا أحمل طنفسته، وقالت الأخرى: أنا أحمل رحله، وقالت الأخرى: عليّ حشيته وأنساعه. فتقاسمن رحله، وبقيت عنيزة فلم يحمّلها شيئا، فقال لها امرؤ القيس: يا ابنة الكرام لا بدّ أن تحمليني معك فإني لا أطيق المشي وليس من عادتي؛ فحملته على غارب بعيرها، وكان يدخل رأسه في خدرها فيقبّلها فإذا امتنعت مال حدجها فتقول: يا امرأ القيس عقرت بعيري فانزل، فذلك قوله: [من الطويل]
تقول وقد مال الغبيط بنا معا ... عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل
فلما فرغ الفرزدق من حديثه، قالت تلك الماجنة: قاتلك الله فما أحسن حديثك وأطرفك فمن أنت؟ قلت: من مضر، قالت: فمن أيها؟ قلت: من تميم، قالت: فمن أيها؟ قال: إلى ها هنا انتهى جوابي، قالت: إخالك الفرزدق، قلت: الفرزدق شاعر وأنا راوية، قالت: دعنا من توريتك عن نفسك، أسألك بالله: أنت هو؟ قلت: أنا هو والله، قالت: فإن كنت أنت هو فلا أحسبك تفارق ثيابنا إلا عن رضى. قلت: أجل، قالت: فاصرف وجهك عن وجهنا ساعة، وهمست إلى صواحباتها بشيء لم أفهمه، فانعطفن من الماء فتوارين وأبدين رؤوسهن وخرجن ومع كل واحدة منهنّ ملء كفّها طينا، وجعلن يتعادين نحوي ويضربن بذلك الطين والحمأة وجهي وثيابي وملأن عيني، ووقعت على وجهي مشغولا بعينيّ وما فيهما، وشددن على ثيابهنّ فأخذنها، وركبت تلك الماجنة بغلتي وتركتني متخبّطا بأسوأ حال وأخزاها، ويقلن: زعم الفتى أنه لا بدّ له أن ينيكنا. فما زلت في ذلك المكان حتى غسلت وجهي وثيابي وجففتها وانصرفت عند مجيء الظلام إلى منزلي على قدميّ، وبغلتي قد وجّهن بها إلى منزلي مع رسول وقلن له: قل له يقلن لك أخواتك: طلبت منا ما لا