إصلاح فساد الراعي، من فسدت بطانته كان كالغاصّ بالماء، شرّ البلاد بلاد لا أمير بها، شرّ الملوك من خافه البريء، المرء يعجز لا المحالة، أفضل البرّ برّ برة، خير الأعوان من لم يرائي بالنصيحة، أحقّ الجنود من حسنت سيرته، يكفيك من الزاد ما بلغك المحلّ، حسبك من شرّ سماعه، الصمت حكم وقليل فاعله، البلاغة الإيجاز، من تشدّد نفّر ومن تراخى ألّف.
فتعجّب كسرى من أكثم ثم قال له: ويحك يا أكثم ما أحكمك وأوثق كلامك لولا وضعك آخر كلامك في غير موضعه. قال أكثم: الصدق ينبي عنك لا الوعيد، قال كسرى: لو لم يكن للعرب غيرك لكفاها، قال أكثم: ربّ قول أنفذ من صول.
2) ثم قام حاجب بن زرارة التميمي فقال: وري زندك، وعلت يدك، وملّئت سلطانك، إن العرب أمة غلظت أكبادها، واستحصدت مرّتها، وهي لك واقعة ما تألفتها، مسترسلة ما لاينتها، سامعة ما سامحتها، وهي العلقم مرارة، والصاب فظاظة، والعسل حلاوة، والماء الزلال سلاسة، نحن وفودها إليك وألسنتها لديك، ذمتنا محفوظة، وأحسابنا ممنوعة، وعشائرنا فينا سامعة مطيعة، إن بادرت لك حامدين جرى لك بذاك عموم محمدتها، وإن لم تذمم لم تخصّ بالذم دونها.
قال كسرى: يا حاجب ما أشبه حجل التلال بألوان صخرها، قال حاجب ابن زرارة: زئير الأسد بصولتها، قال كسرى: وذاك.
3) ثم قام الحارث بن عباد فقال: دامت لك المملكة باستكمال جزيل حظّها وعلوّ سنائها، من طال رشاؤه كثر متحه، ومن ذهب ماله قلّ منحه، وعند تناقل الأقاويل يعرف اللبّ، وهذا مقام يستوجب بما ينطق فيه الركب، ويعرف كنه ألباب العجم والعرب، ونحن جيرتك الأدنون وأعوانك الأعلون، خيولنا جمة وجيوشنا قحمة، إن استجرنا فغير ريض، وإن استطرقنا فغير جهض، وإن طلبنا فغير غمض، لا ننثني لذعر، ولا نتنكّر لدهر، رماحنا طوال وأعمارنا قصار.