الرسائل، ويصنعوا مثل تلك السّير.
[636]- والمثل يضرب في الخطابة بسحبان وائل، وكان خطيب العرب غير مدافع ولا منازع، وكان ابنه عجلان أيضا خطيبا بليغا، وكان سحبان إذا خطب لم يعد حرفا، ولم يتوقف ولم يتحبّس، ولم يعد كلاما ولم يتفكر في استنباط، وكان يسيل عرقا كأنه آذيّ بحر. ويقال إنّ معاوية قدم عليه وفد من خراسان، وجّههم سعيد بن عثمان، فطلب سحبان فلم يوجد عامّة النهار، ثم اقتضب من ناحية كان فيها اقتضابا، فأدخل عليه فقال: تكلم، فقال: انظروا لي عصا تقيم من أودي. فقالوا: وما تصنع بها وأنت بحضرة أمير المؤمنين؟ قال: ما كان يصنع بها موسى صلّى الله عليه وهو يخاطب ربّه وعصاه في يده؟ فضحك معاوية وقال: هاتوا له عصا. فجاءوه بها، فركضها «1» برجله فلم يرض ثقلها، فقال: هاتوا عصاي. فانطلق الرسول فجاءه بعصاه، فأخذها ثم قام فتكلم منذ صلاة الظهر إلى أن فاتت صلاة العصر، ما تنخّع ولا سعل، ولا توقّف ولا تحبّس، ولا ابتدأ في معنى فخرج عنه وقد بقي عليه فيه شيء، ولا سأل عن أيّ جنس من الكلام يخطب فيه. فما زالت تلك حاله، وكلّ عين في السماطين والحفل قد شخصت نحوه، إلى أن أشار إليه معاوية الصلاة فقال: هي أمامك ونحن في صلاة يتبعها تمجيد وتحميد، وعظة وتنبيه وتذكير، ووعد ووعيد. قال معاوية: أنت أخطب العرب قاطبة. قال سحبان: والعجم والجنّ والإنس.
[637]- لما دخل عبد الملك بن مروان الكوفة بعد قتل مصعب خطبهم