ذلك مما هو مشروح في أبوابه وفصوله، ومغن بتمييزه «1» عن الدأب في تطلبه وتحصيله.
وشرّفت كلّ باب بأن بدأته بآي من كتاب الله سبحانه وتعالى، وأثر من رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وقدّمت أمامه تحميدا يكون مشيرا إلى معناه، وطليعة لمقصده ومغزاه، وختمته بطرف من نوادره، وملح من غرائبه، ليستريح إليها اللغب الطليح من كلال الحدّ، ويأمن معها الدئب الحريص من ملال الجدّ، خلا بابي الافتتاح والخاتمة فإنّهما لله خالصان، وللانقاذ من هفوات القلب واللسان مؤمّلان.
وهو مصروف عن الإسهاب المملّ إذ كان مطيّة العثار والإرداء، ومصدوف عن الاختصار المخلّ فانه مظنّة الخيبة والإكداء، وهما طرفان مذموم بهما الإفراط، وخير الأمور الأوساط «2» ، وما ألوت جهدا في الاختيار، ولا يلزمني أن يكون لكل الناس رضى فقد يروق للرجل لفظ وهو للآخر قذى، ويلذّ له معنى ويجده سواه أذى، والعالم في المقاصد شتّى الطرق أخياف «3» ، والاختيارات لها ائتلاف واختلاف.
وأفردت منه بابا يشتمل على جمل من التاريخ ليعرف منه أهل كلّ زمان، وأعيان كلّ أوان، فيسلم ممّا ابتلي به بعض الفضلاء وقد ذكر رؤيا رآها هارون الرشيد زعم أنه قصها على ابن سيرين، فصار بما جهل من تباعد عصريهما ضحكة للحاضرين، وودّ لو كان وفضله في الغابرين.