ينام بإحدى مقلتيه ويتّقي ... بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع
«54» - دخل ضرار بن ضمرة الكنانيّ على معاوية، فقال له: صف لي عليّا، فقال: أوتعفيني. قال: لا أعفيك، قال: أمّا إذ لا بدّ فإنه كان بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل وظلمته. كان والله غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلّب كفّيه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن. كان والله كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه [1] ، ويجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقرّبه إلينا وقربه منّا لا [نكاد] نكلّمه هيبة له، فإن تبسّم فعن لؤلؤ منظوم، يعظّم أهل الدين ويحبّ المساكين، لا يطمع القويّ في باطله، ولا يأيس الضعيف من عدله. (هذه أوصاف حقيقة، وهي مدح يتجاوز قدر المادح. وتمام الكلام والخبر) : فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأنّي أسمعه اليوم وهو يقول يا ربّنا، يا ربّنا، يتضرّع إليه ثم يقول للدنيا: إليّ تعرضت؟ إليّ تشوفت؟ هيهات هيهات، غيري غرّي، قد بتتّك ثلاثا. فعمرك قصير، وخطرك كثير [2] . آه من قلّة الزاد وبعد السّفر ووحشة الطريق.
فوكفت دموع معاوية على لحيته ما يملكها، وجعل ينشّفها بكمّه، وقد اختنق القوم بالبكاء، فقال: كذا كان أبو الحسن رحمه الله. كيف وجدك عليه يا