الشَّافعيُّ آخر حياته فيها، وخلّف كتبه وتلاميذه فيها.
وكان الربيع بن سليمان راوي مذهب الشَّافعيّ فيها، فوفد إليه العلماء وطلّاب العلم لسماع كتب الشَّافعيُّ ونسخها ونقلها إِلى بلدانهم، فدخل المذهب إِلى فارس، وخراسان، وسجستان، وما وراء النهر، وانتشر فيها، وكان العالم العلّامة الشَّيخ محمَّد بن إسماعيل القفّال الكبير أول من أدخل المذهب في بلاد ما وراء النهر.
وكان الحافظ عبدان بن محمَّد بن عيسى المروزي المتوفى سنة 293 هـ أول من أدخله إِلى مرو وخراسان، ويعود الفضل إليه في نشر المذهب بمرو وخراسان، بعد الشَّيخ حافظ أَحمد بن سيّار بن أيوب الحسن المروزي الَّذي كَانَ إمام أهل الحديث في بلده، علمًا وأدبًا وزهدًا، المتوفى سنة 268 هـ.
وكان الحافظ أَبو عوانة، يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد النيسابوري المتوفى سنة 316 هـ أوّل من أدخله إِلى إسفرايين.
وقال المقْدِسِيّ: إنّ المذهب الشَّافعيّ هو الغالب على كثير من بلاد الشرق كالشاش، وإيلاق، وطوس، ونسا، وأبيورد، وهراة، وسجستان، ونيسابور.
قال الأسنوي: إنَّ أصحاب الإِمام الشَّافعيِّ قد حصلت لهم أمور لم تتحقق لغيرهم من أصحاب المذاهب الأخرى، منها أنهم المقدّمون في المساجد الثلاثة الشريفة: مكة، والمدينة، والقدس، ومنها أن الكلمة لهم في الأقاليم الفاضلة المشار إليها وهي: الشَّام، والمدينة، ومكة، وغالب الأقاليم الكبار العامرة، المتوسطة في الدنيا، والتي شِعار الإِسلام بها ظاهر منتظم كالحجاز، واليمن، ومصر، والشّام، والعراق، وخراسان، وديار بكر، وإقليم الروم.
انتشر المذهب الشَّافعيّ أول مرّة في الشَّام عند تولي الشَّيخ أَبو زُرْعة محمَّد بن عثمان الدمشقي سنة 302 هـ قضاء دمشق بعد قضاء مصر، فكان يشجع على حفظ مختصر المزني، فيعطي لمن يحفظه مائة دينار.