وتعتبرُ نيَّةُ القاضِي المستحلفِ الموافقة لظاهِرِ اللفظِ الواجب في الحلف؛ إن لم يكنِ الحالفُ محقًّا في الذي نواهُ، فإن كانَ محقًّا فيه فالعبرةُ بنيَّتِهِ لا بنيةِ القاضِي، والحالفُ هو كلُّ مَن يتوجَّه عليه دعوى صحيحة لو أقرَّ بمطلوبها ألزم، فإذا أنكرَ حلفَ عليه.
ويستثنى من ذلكَ القاضِي، فلا يحلفُ، وقال الماورديُّ: كلُّ مَن نهي عن الكتمانِ كانَ القولُ قولُهُ بيمينٍ. واليمينُ يفيدُ قطعَ الخصومَةِ في الحالِ، إلَّا البراءَةَ، فلو حلفه ثم أقامَ بينةً حكمَ بها، ويستثَنى من ذلك صورةً واحدةً، وهي ما إذا ادَّعى إنسانٌ أنَّه أودعَ عندَ إنسانٍ شيئًا، فأجابَ المدعى عليه بنفي الاستحقاقِ، وحلفَ على ذلك، فإنَّ هذا الحلفَ يفيدُ البراءةَ، حتى لو أقامَ المدَّعي بينةً بأنَّه أودَعهُ الوديعةَ المذكورَةَ، فلا أثرَ لها؛ لأنَّ نفيَ الاستحقاقِ قد وقعَ الحلفُ عليه، ولم تقمِ البينةُ بما يخالفُهُ.
وإذا قالَ المدعَى عليهِ: قد حلَّفني مرَّةً، فليحلفْ أنَّه لم يحلِّفْنِي. فالأصحُّ أنَّه يمكَّنُ منهُ. فإنْ قالَ القاضِي: قد حلَّفني له مرَّةً في هذا المدَّعَى به، وكان القاضِي يعرفُ ذلك، لم يحلِّفْهُ قطعًا.
وإذا نكلَ حلف المدعي وقُضِيَ له بما يقتضيهِ الحالُ، وإنما يحصُلُ النكولُ بأنْ يعرضَ القاضِي اليمينَ عليه، فيمتنعُ، وفُسرَ العرضُ بأنْ يقولَ: قُلْ: واللَّهِ. والامتناعُ بأنْ يقولَ: لا أحلفُ. أو: أنا ناكلٌ، ولو قالَ لهُ القاضِي: قُل: باللَّهِ. فقال: بالرحمنِ. كان ناكلًا.
وإذا صرَّح بالنكولِ، فلا بدَّ فيهِ من الحكمِ بأنَّه ناكلٌ، فإن سكتَ زمنًا يسمعُ (?)