وبهذا يعلم أن لهم من الحق على من بعدهم: الدعاء لهم بالرحمة والمغفرة والرضا، والحرص على الاستفادة من علومهم، وما جمعوه وألفوه من العلوم النافعة، فإنهم سبقوا إلى خير عظيم، وإلى علم جم، سبقوا إلى الفقه في كتاب اللَّه، وإلى الفقه في سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ونقلوا إلينا ما وصل إليهم من علم باللَّه، وبكتابه، وبسنة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-.

فوجب علينا أن نعرف لهم قدرهم، وأن نشكرهم على علمهم العظيم، وعلى ما قاموا به من حفظ رسالة اللَّه وتفقيه الناس في دين اللَّه، وأن نستعين بما دونوه، وخلفوه من الكتب المفيدة والعلوم النافعة، حتى نعرف بذلك معاني كلام اللَّه، ومعاني كلام رسوله عليه الصلاة والسلام.

وإن من أعظم الفائدة، ومن أكبر الخير الذي نقلوه إلينا أن حفظوا علينا سنة نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم-، ونقلوها إلينا طرية غضة سليمة محفوظة، وفيها تفسير كتاب اللَّه، وفيها بيان ما أجمل في كتاب اللَّه، وفيها بيان الأحكام التي جاء بها الوحي الثاني إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو الوحي من اللَّه له إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو السنة المطهرة، فإن اللَّه جل وعلا أعطى نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- القرآن ومثله معه، كما قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه فعلى أهل العلم أن ينقلوا ما جاءت به السنة، وأن يوضحوا ذلك للناس، وأن يرشدوهم إلى معاني كلام ربهم وسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام، في الخطب والمواعظ والدروس وحلقات العلم، وغير هذا من أسباب التوجيه والتعليم والإرشاد.

ولهذا ارتحل العلماء إلى الأمصار، واتصلوا بالعلماء في كل قطر؛ للفائدة والعلم، ففي عهد الصحابة سافر بعض الصحابة من المدينة إلى مصر والشام، وإلى العراق واليمن، وإلى غير ذلك، للفائدة ولنقل العلم، فتجد الصحابة رضي اللَّه عنهم -وهم أفضل الناس بعد الأنبياء- ينتقلون من بلاد إلى بلاد، ليسألوا عن سنة من من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فاتتهم ولم يحفظوها، فبلغهم ذلك عن صحابي آخر فيسافر أحدهم إليه؛ ليسمع ذلك منه، ولينتفع بذلك، ولينقله إلى غيره من إخوانه في اللَّه التابعين لهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015