وكان كثير من الصالحين يذكر النار وأنواع عذابها برؤية ما يشبهه بها في الدنيا، أو يذكره بها، كرؤية البحر وأمواجه، والرؤوس المشوية، وبكاء الأطفال، وفي الحر والبرد، وعند الطعام والشراب، وغير ذلك، وسنذكر ما تيسر من ذلك مفرقاً في مواضعه إن شاء الله تعالى.
وقد سبق أن منهم من كان يذكر النار بدخول الحمام، وروى ليث «عن طلحة، قال: انطلق رجل من ذات يوم، فنزع ثيابه، وتمزغ في الرمضاء وهو يقول لنفسه: ذوقي نار جهنم ذوقي
{نار جهنم أشد حراً} .
جيفة بالليل، بطالة بالنهار؟ !
فبينا هو كذلك إذا أبصر النبي صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة، فأتاه، فقال: غلبتني نفسي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ألم يكن لك بد من الذي صنعت؟ لقد فتحت لك أبواب السماء، ولقد باهى الله بك الملائكة» خرجها «ابن أبي الدنيا» ، وهو مرسل، وخرج الطبراني نحوه من حديث بريدة موصولاً، وفي إسناده من لا يعرف حاله، والله أعلم.
ومن الخائفين من منعه خوف جهنم من النوم.
قال أسد بن وداعة: كان شداد بن أوس، إذا أوى إلى فراشه، كأنه حبة على مقلى، فيقول: اللهم إن ذكر جهنم لا يدعني أنام، فيقوم إلى مصلاه.
وقال أبو سليمان الداراني: كان طاووس يفترش فراشه، ثم يضطجع عليه، فيتقلى كما تقلى الحبة على المقلى، ثم يثب، فيدرجه، ويستقبل القبلة حتى الصباح، ويقول: طير ذكر جهنم نوم العابدين.
وقال مالك بن دينار: قالت ابنة الربيع بن خيثم: يا أبت، مالك لا تنام والناس ينامون؟ فقال: إن النار لا تدع أباك ينام.