في الجنة يوم المزيد، فهم لا يلتفتون في تلك الحال إلى غير ما هم فيه من الأنس بالله والتنعم بقربه وذكره ومحبته، حتى ينسوا ذكر نعيم الجنة، ويصغر عندهم بالنسبة إلى ما هم فيه، ولا يخافون حينئذ أيضاً غير حجبهم عن الله وبعدهم عنه وانقطاع مواد الأنس به، فإذا رجعوا إلى عقولهم، وسكنت عنهم سلطنة هذا الحال وقهره، وجدوا أنفسهم وإرادتهم باقية، فيشتاقون حينئذ إلى الجنة ويخافون من النار، مع ملاحظتهم لأعلى ما يشتاق إليه من الجنة ويخشى منه من النار.
وأيضاً، فالعارفون قد يلاحظون من النار أنها ناشئة عن صفة انتقام الله وبطشه وغضبه، والأثر يدل على المؤثر، فجهنم دليل على عظمة الله وشدة بأسه وبطشه وقوة سطوته وانتقامه في أعدائه، فالخوف منها في الحقيقية خوف من الله وإجلال وإعظام وخشية لصفاته المخوفة، مع أن الله سبحانه يخوف بها عبده، ويحب منهم أن يخافوه بخوفها، وأن يخشوه بخشية الوقوع فيها، وأن يحذروه بالحذر منها، فالخائف من النار خائف من الله، متبع لما فيه محبته ورضاه والله أعلم.
والقدر الواجب من الخوف، ما خمل على أداء الفرائض واجتناب المحارم، فإن زاد على ذلك بحيث صار باعثاً للنفوس على التشمير في نوافل الطاعات والانكفاف عن دقائق المكروهات، والتبسط في فضول المباحات، كان ذلك فضلاً محموداً، فإن تزايد على ذلك بأن أوراث مرضاً أو موتاً أو هماً لازماً بحيث يقطع عن السعي في اكتساب الفضائل المطلوية المحبوبة لله عز وجل، لم يكن محموداً، ولهذا كان السلف يخافون على عطاء السلمي من