أيضاً يمكن أن نحتج بالتصحيح فيما لو قال الإمام: حديث صحيح لا نعرفه إلا من حديث فلان، فهذا قد يكون أقوى من تصحيح الإسناد؛ لأن الغرابة لا تقبل إلا ممن اجتمعت فيهم صفات القبول، وصفات معيّنة قويّة تجعله حريّاً بأن يُعتمد عليه حتى عند تفرده، فالحكم على الحديث بالصحة مع الغرابة فيه دلالة قوية على توثيق رواته.
4. من ذَكَرَ العلماء أنه لا يروي إلا عن ثقة، فإن روى عن رجلٍ يكون هذا توثيقاً له، كما ذكروا عن عبد الرحمن بن مهدي أنه لايروي إلا عن ثقة، وكذلك عن مالك، وعن يحيى بن سعيد الأنصاري، وعن البخاري، وعن يحيى بن سعيد القطان، وعن أحمد بن حنبل، وغالب النقاد الكبار هم من هذا القبيل، ولا يعترض على هذا الكلام بأنه قد يكون ثقة عنده، أو أن العلماء قد ضَعفوا هذا الراوي الذي روى عنه هذا الإمام، فيقال عن هذا: أن رواية الإمام عن الراوي مثل حكمه عليه تصريحاً، فلو حَكَمَ أحد الأئمة على راوٍ بأنه ضعيف أو ثقة، وكان الراجح والصواب خلافه، فهل هذا يعني أن نطرح قول الإمام ولا نعتبره في الجرح والتعديل؟ الجواب: لا، بل نعتبر قوله ونحكم به؛ لأن هذه الحالات نادرة، ولا نجعل النادر قاضياً على الغالب، وعليه فالأصل في رواية الإمام عن رجل أنه توثيق له، وهذا الأمر قد اعتمده العلماء قديماً، وعليه فيصح أن تقول عن الراوي المذكور في إسناد الإمام: وثقه فلان، أي الإمام الذي روى عنه، وهذا المُرجح يذكر في حالة عدم وجود جرح ولا تعديل.