وبعد بيان العدالة الظاهرة والباطنة، فهل يُشترط في قبول الراوي العدالة الباطنة فقط، أم أنه قد تقبل العدالة الظاهرة في بعض الأحيان؟ الصواب: أنه مَنْ كان عدلاً في الظاهر قد نقبله في بعض الأحيان، وهذه الحالات هي:

1- مَنْ تعذرت الخبرة الباطنة بأحوالهم؛ لتقادم العهد بهم، فكل من تعذرت الخبرة الباطنة بحاله نكتفي منه بالعدالة الظاهرة، وهذا هو الذي سار عليه أهل العلم بعامة.

2- المتأخرون من رواة النسخ الحديثية، فهؤلاء لا يشترط فيهم شئ كثير؛ لأنهم مجرد رواة لكتب ترويها الأمة كلها، كمن يروي (صحيح البخاري) ، وعنده إجازة بروايته بإسناده إلى مؤلفه، فكتاب البخاري تناقلته الأمة كلها، وليس هناك مزيّة في هذه الرواية إلا بقاء اتصال الإسناد، فيُقبل من أيّ شخصٍ مادام أن ظاهره الإسلام، ولم يكذب في دعواه، فيُقبل منه وإن كان في الباطن ليس عدلاً. المقصود أن المتأخرين يُتساهل فيهم، ونصّ على هذا التساهل الإمام الذهبي في مقدمة كتابه (ميزان الاعتدال) ، واعتبر الحدّ الفاصل بين المتقدمين والمتأخرين من هذه الناحية -وهي: الاكتفاء بالظاهر، وعدم معرفة بواطن أحوالهم- سنة ثلاثمائة للهجرة، فمن جاء بعد سنة ثلاثمائة للهجرة يُتساهل فيما يتعلق بهم -وهم المتأخرون-، ومن أجل ذلك قال: لن أذكر كل من تُكُلِمَ فيه بعد سنة ثلاثمائة للهجرة، إلا من طُعن فيه بقادح شديد، أما من سواهم فيُتساهل معهم؛ لأنهم رواة نسخ. وعليه كلما تقادم العهد يتساهل في رواة النسخ، حيث لم يبق إلا مزية الإسناد، وهو شرفٌ مهم.

وتُعرف العدالة الباطنة -لنا الآن- من خلال:

1. الشهرة والاستفاضة، فمن كان مستفيض العدالة فليس هناك حاجةٌ في البحث عن عدالته، كالأئمة المشهورين: كالإمام أحمد ويحيى بن معين والبخاري ومسلم، فهؤلاء لا يُسأل ولا يُبحث عن مثلهم، بل هم يُسألون عن الناس.

2. التنصيص: بأن ينص الأئمة على توثيق فلان، أو على ضعفه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015