أما مجهول الحال والعين: فنتوقف عن قبول حديثهم، ومآل هذا التوقف عدم العمل بالحديث، لذلك تجد العلماء يقولون: حديث ضعيف، فيه فلان وهو مجهول، مع أن الأدق أن يقال: حديثه تُوُقِّفَ فيه؛ لأن فيه فلان وهو مجهول، لكن لما كان التوقف مآله عدم العمل، أصبح هو والتضعيف متقاربان، فأطلق العلماء الضعف عليه تجوّزاً، وهو في محله، وليس خطأ تضعيفه.
لكن الأمر الدقيق: ما هي مرتبة ضعف حديث المجهول؟ هل هو في مرتبة الاعتبار به، ويتقوى حديثه بالمتابعات والشواهد، أم لا يتقوى بنفسه، ولا يُقوّي غيره؟ فهل هو شديد الضعف أو خفيف الضعف؟ فالجواب: أننا لا نستطيع أن نحكم بحكم عام على جميع المجهولين حالاً أو عيناً، بل نقول هؤلاء حكمهم يختص بالحديث الذي يروونه، فإذا رووا حديثاً شديد النكارة، فهذا لا يتقوى أبداً، كأن تظهر فيه علامات الوضع وغيرها، ومجهول الحال أخفُّ حالاً من مجهول العين.
تنبيه: حكم الإمام على راوٍ بالجهالة لا يعتبر تعارضاً مع حكم إمامٍ آخر بالتوثيق لنفس الراوي؛ وذلك لأن الإمام الذي وصفه بالجهالة وصفه بذلك لأنه لا يعرفه وهو مجهول عنده، أما الإمام الآخر فإنه يعرفه ويحكم عليه. فهذه المسألة لا تعتبر من مسائل تعارض الجرح والتعديل، وللأسف أنّا نجد من يُقدّم الحكم بالجهالة على التعديل، وهذا خطأ؛ لأن الحكم بالجهالة هو إعلام من الناقد بعدم علمه بهذا الراوي، أما الحكم بالتوثيق فإخبارٌ من الإمام أنه يعرف هذا الراوي وأنه ثقة. فلا تعارض بين الحكم بالجهالة والحكم بالتعديل أو بالتجريح، ولا يُشَكُ في تقديم حكم المُعدّل أو المُجرّح على مَنْ حكم بالجهالة.