أجد هناك مادة مدروسة تحدد العلم، وتبين نطاقه ومشتملاته، ولهذا فقد اتخذت من تصوراتي منطلقاً لبيان أبعاد هذا الموضوع. وكانت هذه التصورات في بداية الأمر، محدودة، تقتصر على تخريج الفروع على الأصول، متخذة من منهج الزنجاني، وتصوراته مثالاً يحتذى، غير أني لاحت عند ممارستي تدريس هذا العلم، والنظر في جوانبه المختلفة، أن نطاق التخريج أوسع من ذلك، وتكشفت لي خلال سنوات التدريس قضايا كثيرة، اضطررت معها إلى تغيير خطتي التدريسية، وإلى تنويع التخريج بحسب نتائجه وأصوله التي استند إليها، فتميزت لديّ ثلاثة أنواع من التخريج، هي:
الأول: تخريج الأصول من الفروع، وهو الأساس في تأسيس أصول فقه الأئمة الذين لم يدونوا أصولاً، ولم ينصوا على قواعدهم في الاستنباط، أو نصوا على قسم منها، ولم ينقل عنهم شيء بشأن قسمها الآخر.
الثاني: تخريج الفروع على الأصول، وهو النمط الظاهر في كتاب تخريج الفروع على الأصول للزنجاني، وما أشبهه من الكتب التي نحت هذا المنحى.
الثالث: تخريج الفروع على الفروع، وهو النوع الذي حظي بعناية الفقهاء والأصوليين أكثر من غيره، سواء كان في الكتب المفردة عن الافتاء، أو في الكتب الأصولية في مباحث الاجتهاد والتقليد، أو في مواضع منثورة من كتب الفقهاء.
ولم أجد دراسة نظرية تؤصل علم التخريج، وتبين لنا حدوده ومعالمه، ولكني أشيد بما نشره الزميل د/ عياض بن نامي السلمي في بحثه المنشور في مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (?)، بعنوان: 0تحرير المقال فيما تصح نسبته للمجتهد من أقوال) ولكنه لم يبحث إلا في النوع الثالث من