إِن الْأَبْرَار لفي نعيم وَإِن الْفجار لفي جحيم وَلِهَذَا كَانَ بعض الْمَشَايِخ إِذا أَمر متبعيه بِالتَّوْبَةِ وَأحب أَن لَا ينفر ويتعب قلبه أمره بِالصّدقِ وَلِهَذَا يكثر فِي كَلَام مَشَايِخ الدّين وأئمته ذكر الصدْق وَالْإِخْلَاص حَتَّى يَقُولُونَ قل لمن لَا يصدق لَا يَتبعني وَيَقُولُونَ الصدْق سيف الله فِي الأَرْض مَا وضع على شَيْء إِلَّا قطعه وَيَقُول يُوسُف بن اسباط وَغَيره مَا صدق الله عبد إِلَّا صنع لَهُ وأمثال هَذَا كثير والصدق وَالْإِخْلَاص هما تَحْقِيق الْإِيمَان وَالْإِسْلَام فَإِن المظهرين الْإِسْلَام ينقسمون إِلَى مُؤمن ومنافق فالفارق بَين الْمُؤمن وَالْمُنَافِق هُوَ الصدْق كَمَا فِي قَوْله الحجرات قَالَت الْأَعْرَاب آمنا قل لم تؤمنوا وَلَكِن قُولُوا أسلمنَا إِلَى قَوْله إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله ثمَّ لم يرتابوا وَجَاهدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم فِي سَبِيل الله أُولَئِكَ هم الصادقون وَقَالَ تَعَالَى الْحَشْر للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين الَّذين أخرجُوا من دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ يَبْتَغُونَ فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله وَرَسُوله أُولَئِكَ هم الصادقون فَأخْبر أَن الصَّادِقين فِي دَعْوَى الْإِيمَان هم الْمُؤْمِنُونَ الَّذين لم يتعقب إِيمَانهم بِهِ وَجَاهدُوا فِي سَبيله بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم وَذَلِكَ أَن هَذَا هُوَ الْعَهْد الْمَأْخُوذ على الْأَوَّلين والآخرين كَمَا قَالَ تَعَالَى آل عمرَان وَإِذ اخذ الله مِيثَاق النَّبِيين لما آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة ثمَّ جَاءَكُم رَسُول مُصدق لما مَعكُمْ لتؤمنن بِهِ ولتنصرنه قَالَ أأقررتم وأخذتم على ذَلِكُم إصري الْآيَة قَالَ ابْن عَبَّاس مَا بعث الله نَبيا إِلَّا أَخذ عَلَيْهِ الْمِيثَاق لَئِن بعث مُحَمَّد وَهُوَ حَيّ ليُؤْمِنن بِهِ ولينصرنه وَأمره أَن يَأْخُذ الْمِيثَاق على أمته ليُؤْمِنن بِهِ ولينصرنه وَقَالَ تَعَالَى الْحَدِيد لقد أرسلنَا رسلنَا بِالْبَيِّنَاتِ وأنزلنا مَعَهم الْكتاب وَالْمِيزَان ليقوم النَّاس بِالْقِسْطِ وأنزلنا الْحَدِيد فِيهِ بَأْس شَدِيد وَمَنَافع للنَّاس وليعلم الله من ينصره وَرُسُله بِالْغَيْبِ إِن الله قوى عَزِيز فَذكر تَعَالَى أَنه أنزل الْكتاب وَالْمِيزَان وَأَنه أنزل الْحَدِيد لأجل الْقيام بِالْقِسْطِ وليعلم الله من ينصره وَرُسُله وَلِهَذَا كَانَ قوام الدّين بِكِتَاب يهدي وَسيف ينصر وَكفى بِرَبِّك هاديا ونصيرا وَالْكتاب وَالْحَدِيد وَإِن اشْتَركَا فِي الْإِنْزَال فَلَا يمْنَع أَن يكون أَحدهمَا نزل من حَيْثُ لم ينزل الآخر حَيْثُ نزل الْكتاب من الله كَمَا قَالَ تَعَالَى أول الزمر تَنْزِيل الْكتاب من الله الْعَزِيز الْحَكِيم وَقَالَ تَعَالَى أول هود كتاب احكمت آيَاته ثمَّ فصلت من لدن حَكِيم خَبِير وَقَالَ النَّمْل وَإنَّك لتلقى الْقُرْآن من لدن حَكِيم عليم وَالْحَدِيد أنزل من الْجبَال الَّتِي يخلق فِيهَا وَكَذَلِكَ وصف الصَّادِقين فِي دَعْوَى الْبر الَّذِي هُوَ جماع الدّين فِي قَوْله الْبَقَرَة لَيْسَ الْبر أَن توَلّوا