وَأما الْقسم الثَّالِث وَهُوَ من أعرض عَن عبَادَة الله واستعانته بِهِ فَهَؤُلَاءِ شَرّ الْأَقْسَام وَالْقسم الرَّابِع هُوَ الْقسم الْمَحْمُود وَهُوَ حَال الَّذين حققوا إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين وَقَوله هود فاعبده وتوكل عَلَيْهِ فاستعانوا بِهِ على طَاعَته وشهدوا أَنه إلههم الَّذِي لَا يجوز أَن يعبدوا إِلَّا إِيَّاه وَطَاعَة رَسُوله وَأَنه رَبهم الَّذِي لَيْسَ لَهُم من دونه ولي وَلَا شَفِيع وَأَنه فاطر مَا يفتح الله للنَّاس من رَحْمَة فَلَا مُمْسك لَهَا وَمَا يمسك فَلَا مُرْسل لَهُ من بعده يُونُس وَإِن يمسسك الله بضر فَلَا كاشف لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يردك بِخَير فَلَا راد لفضله الزمر قل أَفَرَأَيْتُم مَا تدعون من دون الله إِن أرادني الله بضر هَل هن كاشفات ضره أَو أرادني برحمة هَل هن ممسكات رَحمته وَلِهَذَا قَالَ طَائِفَة من الْعلمَاء الِالْتِفَات إِلَى الْأَسْبَاب شرك فِي التَّوْحِيد ومحو الْأَسْبَاب أَن تكون أسبابا نقص فِي الْعقل والإعراض عَن الْأَسْبَاب بِالْكُلِّيَّةِ قدح فِي الشَّرْع وَإِنَّمَا التَّوَكُّل الْمَأْمُور بِهِ مَا يجْتَمع فِيهِ مقتضي التَّوْحِيد وَالْعقل وَالشَّرْع فقد بَين أَن من ظن التَّوَكُّل من مقامات عَامَّة اهل الطَّرِيق فقد غلط غَلطا شَدِيدا وَإِن كَانَ من أَعْيَان الْمَشَايِخ كصاحب علل المقامات وَهُوَ من أجل الْمَشَايِخ وَأخذ ذَلِك عَنهُ صَاحب محَاسِن الْمجَالِس وَأظْهر ضعف حجَّته فَمن قَالَ ذَلِك قَالَ إِن الْمَطْلُوب بِهِ حَظّ الْعَامَّة فَقَط وظنه أَنه لَا فَائِدَة لَهُ فِي تَحْصِيل الْمَقْصُود وَهَذِه حَال من جعل الدُّعَاء كَذَلِك وَذَلِكَ بِمَنْزِلَة من جعل الْأَعْمَال الْمَأْمُور بهَا كَذَلِك كمن اشْتغل بالتوكل عَمَّا يجب عَلَيْهِ من الْأَسْبَاب الَّتِي هِيَ عبَادَة الله وَطَاعَة مَأْمُور بهَا فَإِن غلط هَذَا من ترك الْأَسْبَاب الْمَأْمُور بهَا الَّتِي هِيَ دَاخِلَة فِي قَوْله هود فاعبده وتوكل عَلَيْهِ كغلط الأول فِي ترك التَّوَكُّل الْمَأْمُور بِهِ الَّذِي هُوَ دَاخل فِي قَوْله فاعبده وتوكل عَلَيْهِ لَكِن يُقَال من كَانَ توكله على الله ودعاؤه لَهُ هُوَ فِي حُصُول مباحات فَهُوَ من الْعَامَّة وَإِن كَانَ فِي حُصُول مستحبات وواجبات فَهُوَ من الْخَاصَّة كَمَا أَن من دَعَاهُ وتوكل عَلَيْهِ فِي حُصُول مُحرمَات فَهُوَ ظَالِم لنَفسِهِ وَمن أعرض عَن التَّوَكُّل فَهُوَ عَاص لله وَرَسُوله بل خَارج عَن حَقِيقَة الْإِيمَان فَكيف يكون هَذَا الْمقَام للخاصة قَالَ الله تَعَالَى يُونُس وَقَالَ مُوسَى يَا قوم إِن كُنْتُم آمنتم بِاللَّه فَعَلَيهِ توكلوا إِن كُنْتُم مُسلمين وَقَالَ تَعَالَى آل عمرَان إِن ينصركم الله فَلَا غَالب لكم وَإِن يخذلكم فَمن ذَا الَّذِي ينصركم من بعده وَقَالَ إِبْرَاهِيم وعَلى الله فَليَتَوَكَّل الْمُؤْمِنُونَ وَقَالَ تَعَالَى