حدثنا الصولي عن يزيد بن محمد المهلبي قال: أهدى أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي إلى المأمون في يوم مهرجان مائة حمل زعفران في شبك إبريسم على مائة أتان شهب وحشية مرببة.

فجاءت الهدية والمأمون عند الحرم فقيل له: قد وجه القاسم بن عيسى مائة حمل زعفران (على مائة حمار) فأحب المأمون أن ينظر إليها على حالها، وكره أن يكون من الحمير شيء لا يصلح للنساء، فسأل سؤال مستثبت عن الحمر أهي أتن أم ذكور؟ فقيل له: بل هي أتن وحشية مرببة، وليس فيها ذكر، فسر بذلك وقال: قد علمت أن الرجل أعقل من أن يوجه بها على غير أتن.

وشبيه بهذا الخبر ما حدثناه جحظة قال: حدثني علي بن يحيى المنجم أن المتوكل كان يميل إلى جاريته "شجن" ميلا تماما، ويفضلها على سائر حظاياه، ويصفها لهن. فعاتبته على تفضيله إياها، وميله إليها وأثرته لها عليهن، فأقبل يصفها ويذكر أحوالها وتمام ظرفها وكمال مروءتها ثم قال: وهذا المهرجان قد قرب وقته، ولابد لكن من أن تهدين إلي فيه هدايا، وتهدى هي أيضا وننظر إلى هديتها وهداياكن، فتعلمن أن هديتها أطرف من هداياكن جميعا.

فلما كان في يوم المهرجان أهدين هدايا نفيسة، واحتفلن في ذلك؛ وجاءت هدية "شجن" وهي عشرون غزالا مرببة بعشرين سرجا صينيا، على كل غزال خرج صغير من ذهب مشبك فيه المسك والعنبر وأنواع الطيب المرتفعة؛ مع كل غزال وصيفة بمنطقة من ذهب في رأسه جوهرة ياقوت أو زمرد أو غيرها من الجواهر الجليلة القدر، فقال المتوكل لحظاياه واستلمح ذلك؛ من كان يحسن منكن مثل هذا قال جحظة: فحدثني علي بن يحيى أنهن عملن في قتلها بشيء سقينها إياه فماتت.

وحثنا محمد بن يحيى قال: حدثني يزيد بن محمد قال: كان موسى بن عيسى بن يزدانير من وجوه الكتاب وسرواتهم، وكان يكتب للفضل بن الربيع، فاتصل بالفضل أنه يهوى "عريب" المغنية، فقال له يوما: يا موسى بلغني أنك تهوى عريب هوى لا يهنيك معه مطعم ولا مشرب، وما نملكه فبين يديك، فإن كان لما بلغني حقيقة فعرفنيه حتى أبتاعها لك بما بلغت، ولو أتى ذلك على جميع ما أملك. واعلم أن هذه الحال ليست بناقصتك عندي، واحذر أن تكتمني فيتأدى إلي الخبر بصحة ما بلغني فأتنكر لك.

فأنكر موسى ذلك، ودفعه، وحلف على بطلانه.

فلما كان بعد ذلك بأيام تغدى الفضل، فقدم إليه في آخر الطعام لباء ظباء مع تمر من التمر السابري في طبق غضار صيني زمردي؛ فاستحسن الفضل ذلك. وكان يعرف كاتبه بالظرف، فقال: هذه هدية ظريفة تصلح لكاتبنا موسى. فدعا بطبق ومكبة، ووجه بذلك إلى موسى، فلما وضع بين يديه استحسنه وقال: لا أهدى إلى عريب شيئا أملح من هذا فوجه بالهدية على حالها (إليها) فلما نظرت إليها استطرفتها وقالت: لا أتحف الأمير- يعني الفضل - بأحسن من هذه الزلة فبعثت بها إليه، فدخلت داره كما خرجت منها لم تغير، فأمر بها، فعزلت.

وحضر موسى بالعشي على رسمه فقال له الفضل: كيف رأيت تلك الهدية يا موسى؟ قال: حسنة، والله يا سيدي! قال: فأكلت منها؟ قال: نعم وأطعمت من في منزلي تشرفا. فقال له الفضل: يا فاسق أما زعمت أنك لا تحب عريب، هذه هديتنا إليك قد أتحفتنا بها عريب أما أنك لو كنت صدقتني عن مكانها من قلبك عند عرضي عليك ما عرضت من أمرها كنت قد ابتعتها لك بما بلغت، فأما الآن فلا.

فقال موسى: ظلمتني يا سيدي إني لو أعلمتك أنى أهواها لوجب أن أسقط من عينك وتقل منزلتي عندك إذا أظهرت حبها، ولم أصبر على كتمانه؛ فقال الفضل: دع هذا عنك فقد خجلت، يا غلام أزل خجلة بعشرة آلاف دينار ينفقها على عريب؛ فدفعت إليه.

وحدثنا أيضا قال: تقدم الواثق إلى إيتاخ - وكان على خزن الكسوة - أن يتخذ له حلتي وشي على صورة، ودفعتها إليه، وأمره بتعجيل ذلك في يوم ذكره له. فتقدم إيتاخ إلى كاتبه سليمان بن وهب فجد في اتخاذها حتى فرغ منهما وأتى بهما إلى الواثق، فرضيهما وأمر بقطعها له دراعة وقميصاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015