ومحاولات لحجج الله الواضحات فَكَانُوا كالطائفة الأولى فِي الضلال والإضلال مَعَ أَن كلا المقصدين صَحِيح وَوجه كل مِنْهُمَا صبيح لَوْلَا مَا شانه من الغلو الْقَبِيح وَطَائِفَة توسطت ورامت الْجمع بَين الضَّب وَالنُّون وظنت أَنَّهَا وقفت بمَكَان بَين الإفراط والتفريط ثمَّ أخذت كل طَائِفَة من هَذِه الطوائف الثَّلَاث تجَادل
وتناضل وَتحقّق وتدقق فِي زعمها وتجول على الْأُخْرَى وتصول بِمَا ظَفرت مِمَّا يُوَافق مَا ذهبت إِلَيْهِ وكل حزب بِمَا لديهم فَرِحُونَ وَعند الله تلتقي الْخُصُوم وَمَعَ هَذَا فهم متفقون فِيمَا بَينهم على أَن طَرِيق السّلف أسلم وَلَكِن زَعَمُوا أَن طَرِيق الْخلف أعلم فَكَانَ غَايَة مَا ظفروا بِهِ من هَذِه الأعلمية لطريق الْخلف أَن تمنى محققوهم وأذكياؤهم فِي آخر أَمرهم دين الْعَجَائِز وَقَالُوا هَنِيئًا للعامة فَتدبر هَذِه الأعلمية الَّتِي حاصلها أَن يهنى من ظفر بهَا للجاهل الْجَهْل الْبَسِيط ويتمنى أَنه فِي عدادهم وَمِمَّنْ يدين بدينهم وَيَمْشي على طريقهم فَإِن هَذَا يُنَادي بِأَعْلَى صَوت وَيدل بأوضح دلَالَة على أَن هَذِه الأعلمية الَّتِي طلبوها الْجَهْل خير مِنْهَا بِكَثِير فَمَا ظَنك بِعلم يقر صَاحبه على نَفسه أَن الْجَهْل خير مِنْهُ وَيَنْتَهِي عِنْد الْبلُوغ إِلَى غَايَته والوصول إِلَى نهايته أَن يكون جَاهِلا بِهِ عاطلا عَنهُ فَفِي هَذَا عِبْرَة للمعتبرين وَآيَة بَيِّنَة للناظرين فَهَلا عمِلُوا على جهل هَذِه المعارف الَّتِي دخلُوا فِيهَا بادئ بَدْء وسلموا من تبعاتها وأراحوا أنفسهم من تعبها وَقَالُوا كَمَا قَالَ الْقَائِل
أرى الْأَمر يُفْضِي إِلَى آخر ... يصير آخِره أَولا