أَو كالمستجير من الرمضاء بالنَّار والهارب من لسعة الزنبور إِلَى لدغة الْحَيَّة وَمن قرصة النملة إِلَى قضمة الْأسد وَقد يُغني هَؤُلَاءِ وأمثالهم من الْمُتَكَلِّمين المتكلفين كلمتان من كتاب الله تَعَالَى وصف بهما نَفسه وأنزلهما على رَسُوله وهما (وَلَا يحيطون بِهِ علما) وَ (لَيْسَ كمثله شَيْء) فَإِن هَاتين الْكَلِمَتَيْنِ قد اشتملتا على فصل الْخطاب وتضمنتا مَا يعين أولى الْأَلْبَاب السالكين فِي تِلْكَ الشعاب فالكلمة مِنْهَا دلّت دلَالَة بَيِّنَة على أَن كل مَا تكلم بِهِ الْبشر فِي ذَات الله وَصِفَاته على وَجه التدقيق ودعاوى التَّحْقِيق فَهُوَ مشوب بشعبة من شعب الْجَهْل مخلوط بخلوط هِيَ
مُنَافِيَة للْعلم ومباينة لَهُ فَإِن الله سُبْحَانَهُ قد أخبرنَا أَنهم لَا يحيطون بِهِ علما فَمن زعم أَن ذَاته كَذَا أَو صفته كَذَا فَلَا شكّ أَن صِحَة ذَلِك متوقفة على الْإِحَاطَة وَقد نفيت عَن كل فَرد من الْأَفْرَاد علما فَكل قَول من أَقْوَال الْمُتَكَلِّمين صادر عَن جهل إِمَّا من كل وَجه أَو من بعض الْوُجُوه وَمَا صدر عَن جهل فَهُوَ مُضَاف إِلَى جهل وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ فِي ذَات الله وَصِفَاته فَإِن ذَلِك من المخاطرة فِي الدّين مَا لم يكن فِي غَيره من الْمسَائِل وَهَذَا يُعلمهُ كل ذِي علم ويعرفه كل عَارِف وَلم يحط بفائدة هَذِه الْآيَة وَيقف عِنْدهَا ويقتطف من ثمراتها إِلَّا الممرون الصِّفَات على ظَاهرهَا المريحون أنفسهم من التكلفات والتعسفات والتأويلات والتحريفات وهم السّلف الصَّالح كَمَا عرفت فهم الَّذين اعْتَرَفُوا بعدم الإحاطة، وأوقفوا أنفسهم حَيْثُ أوقفها الله وَقَالُوا الله أعلم بكيفية ذَاته وَمَاهية صِفَاته بل الْعلم كُله وَقَالُوا كَمَا قَالَ من قَالَ مِمَّن اشْتغل بِطَلَب هَذَا الْمحَال فَلم يظفر بِغَيْر القيل والقال
الْعلم للرحمن جلّ جَلَاله ... وسواه فِي جهلاته يتغمغم
مَا للتراب وللعلوم وَإِنَّمَا ... يسْعَى ليعلم أَنه لَا يعلم