والفرية على الْفطْرَة وكل فَرد من أفرادها قد تنازعت فِيهِ عُقُولهمْ وتخالفت عِنْده
إدراكاتهم فَهَذَا يَقُول حكم الْعقل فِي هَذَا الْكَلَام كَذَا وَهَذَا يَقُول حكم الْعقل فِي هَذَا كَذَا ثمَّ يَأْتِي بعدهمْ من يَجْعَل ذَلِك الَّذِي يعقله من يقلده ويقتدي بِهِ أصلا يرجع إِلَيْهِ ومعيارا لكَلَام الله تَعَالَى وَكَلَام رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبل مِنْهُمَا مَا وَافقه وَيرد مَا خَالفه فيا لله للْمُسلمين وَيَا لعلماء الدّين من هَذِه الفواقر الموحشة الَّتِي لم يصب الْإِسْلَام وَأَهله بِمِثْلِهَا وَأغْرب من هَذَا وأعجب وأشنع وأفظع أَنهم بعد أَن جعلُوا هَذِه التعقلات الَّتِي تعقلوها على اخْتلَافهمْ فِيهَا وتناقضهم فِي معقولاتها أصولا ترد إِلَيْهَا أَدِلَّة الْكتاب وَالسّنة جعلوها معيارا لصفات الرب تَعَالَى فَمَا تعقله هَذَا من صِفَات الله قَالَ بِهِ جزما وَمَا تعقله خَصمه مِنْهَا قطع بِهِ فأثبتوا لله تَعَالَى الشَّيْء ونقيضه اسْتِدْلَالا بِمَا حكمت بِهِ عُقُولهمْ الْفَاسِدَة وتناقضت فِي شَأْنه وَلم يلتفتوا إِلَى مَا وصف الله بِهِ نَفسه أَو وَصفه بِهِ رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل إِن وجدوا ذَلِك مُوَافقا لما تعقلوه جَعَلُوهُ مؤيدا لَهُ ومقويا وَقَالُوا قد ورد دَلِيل السّمع مطابقا لدَلِيل الْعقل وَإِن وجدوه مُخَالفا لما تعقلوه جَعَلُوهُ
واردا على خلاف الأَصْل ومتشابها وَغير مَعْقُول الْمَعْنى وَلَا ظَاهر الدّلَالَة ثمَّ قابلهم الْمُخَالف لَهُم بنقيض قَوْلهم فافترى على عقله بِأَنَّهُ قد تعقل خلاف مَا تعقله خَصمه وَجعل ذَلِك أصلا يرد إِلَيْهِ أَدِلَّة الْكتاب وَالسّنة وَجعل الْمُتَشَابه عِنْد أُولَئِكَ محكما عِنْده والمخالف لدَلِيل الْعقل عِنْدهم مُوَافقا لَهُ عِنْده فَكَانَ حَاصِل كَلَام هَؤُلَاءِ أَنهم يعلمُونَ من صِفَات الله مَا لَا يُعلمهُ وَكَفاك هَذَا وَلَيْسَ بعده شَيْء وعنده يتعثر الْقَلَم حَيَاء من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَرُبمَا استبعد هَذَا مستبعد واستنكره مستنكر وَقَالَ إِن فِي كَلَامي هَذَا مُبَالغَة وتهويلا وتشنيعا وتطويلا وَأَن الْأَمر أيسر من أَن يكون حَاصله هَذَا الْحَاصِل وثمرته مثل هَذِه الثَّمَرَة الَّتِي أَشرت إِلَيْهَا فَأَقُول خُذ جملَة الْبلوى ودع تفصيلها واسمع مَا يصك سَمعك وَلَوْلَا هَذَا الإلحاح