وهما (ولا يحيطون به علما) و (ليس كمثله شيء) فإن هاتين الكلمتين قد اشتملتا على فصل الخطاب وتضمنتا ما يعين أولي الألباب السالكين في تلك الشعاب، فالكلمة منها دلت دلالة بينة على أن كل ما تكلم به البشر في ذات الله وصفاته على وجه التدقيق ودعاوي التحقيق فهو مشوب بشعبة من شعب الجهل مخلوط بخلوط هي منافية للعلم ومباينة له. فإن الله سبحانه قد أخبرنا أنهم لا يحيطون به علما، فمن زعم أن ذاته كذا أو صفته كذا فلا شك أن صحة ذلك متوقفة على الإحاطة، وقد نفيت عن كل فرد من الأفراد علما، فكل قول من أقوال المتكلمين صادر عن جهل، إما من كل وجه أو من بعض الوجوه، وما صدر عن جهل فهو مضاف إلى جهل، ولا سيما إذا كان في ذات الله وصفاته، فإن ذلك من المخاطرة في الدين ما لم يكن في غيره من المسائل. وهذا يعلمه كل ذي علم ويعرفه كل عارف. ولم يحط بفائدة هذه الآية ويقف عندها ويقتطف من ثمراتها إلا الممرون الصفات على ظاهرها المريحون أنفسهم من التكلفات والتعسفات والتأويلات والتحريفات، وهم السلف