الفصل الثاني
حصن المؤمن
قد يسأل المؤمن عند تلاوته لسورة الناس عن علة وصف شيطان الإنس أو شيطان الجن بالوسواس الخناس، ولم خُصَّت الوسوسة من بين سائر أعمال الشياطين المُضِلّة؟ لكن، بتأمل دقيق لأقوال المفسرين - رحمهم الله - يتبين أن الخطر الأعظم على الإنسان يكمن في إغواء الشيطان له، وذلك من مبدأ خلقه إلى لفظه آخر أنفاسه، ويتبين له كذلك مستقر هذا الإغواء ومحلُّه الذي يَعْرُج إليه، والهدف الذي تنصبّ إليه سهام الوسوسة من كل جانب، ألا وهو القلب، تلك المضغة التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ» (?) ، فمنزلة القلب للمؤمن منزلةُ الحصن للهارب، يأوي إليه عند الملمات والشدائد، والعدو يطلبه رابضاً من حوله، يتحين فرصة سانحة للولوج إليه من مواضع ثُلَمه (?) وضعفه، فإذا غفل حراس الحصن (?) عن الجِدِّ في الحراسة - إلا أنهم لم يغادروا مواقع رباطهم - أرسل جنده