ولا يقال: إنما فعل ذلك ليعوضه (?) في الآخرة ويكون لطفًا لمكلفٍ آخر. لأن إعطاء ذلك ابتداءً أولى ولا يحسن إيلام حيوان لطفًا لآخر. ثم لا نسلم أنَّه يغلب على ظننا أن شرع هذا الحكم لهذه المصلحة. وأما الاستصحاب والدوران فسنتكلم (?) عليهما وأيضًا الدوران إنما يفيد الظن لو سلم عن المزاحم. والمزاحم أن العبد يميل بطبعه إلى جلب (?) المصلحة ودفع المضرة والله تعالى منزه عنه. ولأن المعتبر دفع الحاجة الخاصة، والملك يراعي النوع، والله تعالى عادته مختلفة في رعاية المصالح جنسًا ونوعًا، ولذلك قد يَحْسُنُ شيء عند الله تعالى ويقبحُ عندنا وبالعكس ولذلك تستقبح الشرائع المتقدمة.
ثم ما ذكرتم معارض بوجوه:
أ- حكم الشرع لو كان لدفع الحاجة لدفعَ الحاجات كلها, لأنها مشتركة في نفس الحاجة ومتمايزة بخصوصياتها. فما به يمتاز كل حاجةٍ عن غيرها لا يكون حاجةً فلا يعتبر (?).
ب- تعليل حكم الله تعالى بالمصلحة يستلزم خلاف الأصل, لأن عبادات الشرائع المتقدمة قبيحة الآن، فذلك لشرطٍ لم يوجد أو لمانعٍ وجد، وتوقيف المقتضى على شرط وتخلف حكمه عنه لمانع (?) خلاف الأصل.
جـ- تعليل الحكم بالحكمة لا يجوز لخفائها وعدم ضبطها, ولا بالوصف لأن التعليل بالوصف لاشتماله على الحكمة (?) فهي العلة (?).