فإن قلتَ: ذلك لتطاول الزمان وعدم الدواعي. قلتُ: هذا يقدح في التواتر في الأمور الماضية، إذ شرطه استواء الطرفين والواسطة، وقد تقل (?) الرواة ولا يثبت ذلك، إلّا بأنه لو كان موضوعًا لاشتهر الوضع وزمانه، وذلك غير واجبٍ بعد طول المدة.
ثم ما ذكرتم معارض بوجوه:
أ - ما يفيده التواتر ليس علماً ضرورياً لما سلمتم، ولا نظرياً لحصوله لمن لا نظر له.
ب - أن ذلك يتوقف على عدم اشتباه محسوس وقد بيَّنا اشتباهه.
جـ - أنَّه إن حصل العلم مع جواز أن لا يحصل امتنع القطع بإفادته العلم، وإن حصل العلم (?) مع الوجوب فالمؤثر فيه لا يجوز أن يكون قولَ كلٍ واحد، إذ قول الواحد لا يفيد العلم، ولأنه إن حصل قول الكل دفعة اجتمع على الأثر الواحد مؤثرات مستقلة، وإن حصل على التعاقب لزم تحصيل الحاصل، أو اجتماع المثلين. ولا يجوز أن يكون قول المجموع؛ لأنَّه لو لم يحدث عند الاجتماع ما لم يكن عند الانفراد لم يكن المجموع مؤثراً. وإن حدث عاد الكلام فيه وتسلسل، ولأن المؤثريَّة صفة وجودية لأنها نقيض اللامؤثرية (?). فاتصاف المجموع بها يوجب حلول الصفة الواحدة في محال كثيرة، ولأن التواتر غالبًا يكون بوجود خبر بعد خبر. فلم يكن للمجموع وجود فلم يكن مؤثراً، ولأن كل واحد من الزنج لما لم يكن أبيض امتنع كون الكل أبيض كذلك ههنا.
د - أن المؤثر إما آحاد الحروف أو المجموع وهما باطلان. أو الحرف الأخير بشرط وجود الباقي قبله، وأنه يوجب حصول المشروط عند عدم الشرط، أو هو بشرط مسبوقيته بالباقي، والمسبوقية عدمية وإلَّا كانت حادثة مسبوقة، وتسلسل والعدمي لا يكون جزء العلة ولا شرطها.