فَإِنَّ لِلْمُؤْمِنِينَ حَظًّا مِنْ هَذَا الْوَعِيدِ بِمِقْدَارِ تَفَاوُتِ مَا بَيْنَ الْكُفْرِ وَمُجَرَّدِ الْعِصْيَانِ وَجِيءَ فِي هَذَا التَّحْذِيرِ بِمَنْ الشَّرْطِيَّةِ لِإِفَادَةِ عُمُومِ كُلِّ مَنْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الَّذِينَ يَتَعَدُّونَ أَحْكَامَ الطَّلَاقِ وَأَحْكَامَ الْعِدَّةِ فِي هَذَا الْعُمُومِ.

لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً.

هَذِهِ الْجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا مِمَّا هُوَ إِيضَاحٌ لَهَا وَتَفْصِيلٌ لِأَحْوَالِهَا. وَلِذَلِكَ جَاءَتْ مَفْصُولَةً عَنِ الْجُمَلِ الَّتِي قَبْلَهَا.

وَيَجُوزُ كَوْنُهَا بَدَلًا مِنْ جُمْلَةِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ بَدَلَ اشْتِمَالٍ لِأَنَّ ظُلْمَ النَّفْسِ بَعْضُهُ حَاصِلٌ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى إِضَاعَةِ مَصَالِحِ النَّفْسِ عَنْهَا. وَقَدْ

سَلَكَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَسْلَكَ التَّرْغِيبِ فِي امْتِثَالِ الْأَحْكَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ بَعْدَ أَنْ سَلَكَ فِي شَأْنِهَا مَسْلَكَ التَّرْهِيبِ مِنْ مُخَالَفَتِهَا.

فَمِنْ مَصَالِحِ الِاعْتِدَادِ مَا فِي مُدَّةِ الِاعْتِدَادِ مِنَ التَّوْسِيعِ عَلَى الزَّوْجَيْنِ فِي مُهْلَةِ النَّظَرِ فِي مَصِيرِ شَأْنِهِمَا بَعْدَ الطَّلَاقِ، فَقَدْ يَتَّضِحُ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا مَتَاعِبُ وَأَضْرَارٌ مِنِ انْفِصَامِ عُرْوَةِ الْمُعَاشَرَةِ بَيْنَهُمَا فَيُعَدُّ مَا أَضْجَرَهُمَا مِنْ بَعْضِ خُلُقِهِمَا شَيْئًا تَافِهًا بَالنِّسْبَةِ لِمَا لَحِقَهُمَا مِنْ أَضْرَارِ الطَّلَاقِ فَيَنْدَمُ كِلَاهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَيَجِدَا مِنَ الْمُدَّةِ مَا يَسَعُ لِلسَّعْيِ بَيْنَهُمَا فِي إِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمَا.

وَالْمَقْصُودُ الْإِشَارَةُ إِلَى أَهَمِّ مَا فِي الْعِدَّةِ مِنَ الْمَصَالِحِ وَهُوَ مَا يُحْدِثُهُ اللَّهُ مِنْ أَمْرٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَتَنْكِيرُ أَمْرٍ لِلتَّنْوِيعِ. أَيْ أَمْرًا مَوْصُوفًا بِصِفَةٍ مَحْذُوفَةٍ، أَيْ أَمْرًا نَافِعًا لَهُمَا.

وَهَذَا الْأَمْرُ هُوَ تَقْلِيبُ الْقُلُوبِ مِنْ بُغْضٍ إِلَى مَحَبَّةٍ، وَمِنْ غَضَبٍ إِلَى رِضًى، وَمِنْ إِيثَارِ تَحَمُّلِ الْمُخَالَفَةِ فِي الْأَخْلَاقِ مَعَ الْمُعَاشَرَةِ عَلَى تَحَمُّلِ آلَامِ الْفِرَاقِ وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ بَيْنَ الْمُتَفَارِقَيْنِ أَبْنَاءٌ، أَوْ مِنْ ظُهُورِ حَمْلٍ بِالْمُطَلَّقَةِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَوْلَادٌ فَيَلُزُّ ظُهُورُهُ أَبَاهُ إِلَى مُرَاجَعَةِ أُمِّهِ الْمُطَلَّقَةِ. عَلَى أَنَّ فِي الِاعْتِدَادِ وَالْإِسْكَانِ مَصَالِحَ أُخْرَى كَمَا عَلِمْتَهُ آنِفًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015