وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ: وَاسْتَغْنَى اللَّهُ عَنْ إِعَادَةِ دَعْوَتِهِمْ لِأَنَّ فِيمَا أَظْهَرَ لَهُمْ مِنَ الْبَيِّنَاتِ عَلَى أَيْدِي رُسُلِهِمْ مَا هُوَ كَافٍ لِحُصُولِ التَّصْدِيقِ بِدَعْوَةِ رُسُلِهِمْ لَوْلَا الْمُكَابَرَةُ فَلِذَلِكَ عُجِّلَ لَهُمْ بِالْعَذَابِ.
وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فَمُتَعَلِّقُ اسْتَغْنَى مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَكَفَرُوا وَقَوْلُهُ:
بِالْبَيِّناتِ وَالتَّقْدِيرُ: وَاسْتَغْنَى اللَّهُ عَنْ إِيمَانِهِمْ.
وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ تَذْيِيلٌ، أَيْ غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ فِيمَا طَلَبَ مِنْهُمْ، حَمِيدٌ لِمَنِ امتثل وشكر.
[7]
زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7)
هَذَا ضَرْبٌ ثَالِثٌ مِنْ ضُرُوبِ كُفْرِ الْمُشْرِكِينَ الْمُخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ: أَلَمْ يَأْتِكُمْ [التغابن:
5] إِلَخْ، وَهُوَ كُفْرُهُمْ بِإِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ وَالْجَزَاءَ.
وَالْجُمْلَةُ ابْتِدَائِيَّةٌ. وَهَذَا الْكَلَامُ مُوَجَّهٌ إِلَى النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: قُلْ بَلى. وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْإِظْهَارِ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ وَلَا مِنَ الِالْتِفَاتِ بَلْ هُوَ ابْتِدَاءُ غَرَضٍ مُخَاطَبٍ بِهِ غَيْرُ مَنْ كَانَ الْخِطَابُ جَارِيًا مَعَهُمْ.
وَتَتَضَمَّنُ الْجُمْلَةُ تَصْرِيحًا بِإِثْبَاتِ الْبَعْثِ ذَلِك الَّذِي أُوتِيَ إِلَيْهِ فِيمَا مَضَى يُفِيدُ بَالْحَقِ فِي قَوْلِهِ: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ [التغابن: 3] وَبِقَوْلِهِ: يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [التغابن: 4] كَمَا عَلِمْتَهُ آنِفًا.
وَالزَّعْمُ: الْقَوْلُ الْمَوْسُومُ بِمُخَالَفَةِ الْوَاقِعِ خَطَأٌ فَمِنْهُ الْكَذِبُ الَّذِي لَمْ يَتَعَمَّدْ قَائِلُهُ أَنْ يُخَالِفَ الْوَاقِعَ فِي ظَنِّ سَامِعِهِ. وَيُطْلَقُ عَلَى الْخَبَرِ الْمُسْتَغْرَبِ الْمَشْكُوكِ فِي وُقُوعِ مَا أَخْبَرَ بِهِ، وَعَنْ شُرَيْحٍ: لِكُلِّ شَيْءٍ كُنْيَةٌ وَكُنْيَةُ الْكَذِبِ زَعَمُوا (أَرَادَ بِالْكُنْيَةِ الْكِنَايَةَ) . فَبَيْنَ الزَّعْمِ وَالْكَذِبِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ.
وَفِي الْحَدِيثِ «بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ إِلَى الْكَذِبِ زَعَمُوا»
(?) ، أَيْ قَوْلُ الرَّجُلِ