مَوْضِعَ الْحَالِ، وَهَذَا الْوَجْهُ يُنَاسِبُ قَوْلَهُ تَعَالَى: لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ لِأَنَّ اللُّحُوقَ هُوَ مَعْنَى الِاتِّصَالِ.
وَمَوْضِعُ جُمْلَةِ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ مَوْضِعُ الْحَالِ، وَيَنْشَأُ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْأُمَمَ الَّتِي تَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْمُسْلِمِينَ الْأَوَّلِينَ يَصِيرُونَ مِثْلَهُمْ، وَيَنْشَأُ مِنْهُ أَيْضًا رَمَزٌ إِلَى أَنَّهُمْ يَتَعَرَّبُونَ لِفَهْمِ الدِّينِ وَالنُّطْقِ بِالْقُرْآنِ فَكَمْ مِنْ مَعَانٍ جَلِيلَةٍ حَوَتْهَا هَذِهِ الْآيَةُ سَكَتَ عَنْهَا أَهْلُ التَّفْسِيرِ.
وَهَذِهِ بِشَارَةٌ غَيْبِيَّةٌ بِأَنَّ دَعْوَة النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَتَبْلُغُ أُمَمًا لَيْسُوا مِنَ الْعَرَبِ وَهُمْ فَارِسُ، وَالْأَرْمَنُ، وَالْأَكْرَادُ، وَالْبَرْبَرُ، وَالسُّودَانُ، وَالرُّومُ، وَالتُّرْكُ، وَالتَّتَارُ، وَالْمَغُولُ، وَالصِّينُ، وَالْهُنُودُ، وَغَيْرُهُمْ وَهَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِ الْقُرْآنِ مِنْ صِنْفِ الْإِخْبَارِ بِالْمُغِيبَاتِ.
وَفِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى عُمُومِ رِسَالَة النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَمِيعِ الْأُمَمِ.
وَالنَّفْيُ بِ (لَمَّا) يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْفِيَّ بِهَا مُسْتَمِرُّ الِانْتِفَاءِ إِلَى زَمَنِ التَّكَلُّمِ فَيُشْعِرُ بِأَنَّهُ مُتَرَقَّبُ الثُّبُوتَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات: 14] ، أَيْ وَسَيَدْخُلُ كَمَا فِي «الْكَشَّافِ» ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ آخَرِينَ هُمْ فِي وَقْتِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ لَمْ يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَلْتَحِقُوا بِمَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْعَرَبِ وَسَيَدْخُلُونَ فِي أَزْمَانٍ أُخْرَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ
قَول النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ بِالثُّرِيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ من هَؤُلَاءِ»
إِيمَاء إِلَى مِثَالٍ مِمَّا يَشْمَلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ فِي جَوَابِ سُؤَالِ السَّائِلِ بِلَفْظٍ يَقْتَضِي انْحِصَارَ الْمُرَادِ بِ آخَرِينَ فِي قَوْمِ سَلْمَانَ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ: هُمُ التَّابِعُونَ. وَعَنْ مُجَاهِدِ: هُمُ النَّاسُ كُلُّهُمُ الَّذِينَ بُعِثَ إِلَيْهِم مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ.
وَقَوْلُهُ: وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ تَذْيِيلٌ لِلتَّعْجِيبِ مِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ الْإِلَهِيِّ لِانْتِشَارِ هَذَا الدِّينِ فِي جَمِيعِ الْأُمَمِ. فَإِنَّ الْعَزِيزُ لَا يَغْلِبُ قُدْرَتَهُ شَيْءٌ. والْحَكِيمُ تَأْتِي أَفْعَالُهُ عَنْ قدر مُحكم.
[4]
ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ