فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ الْأَهَمُّ مِنَ الْقِصَّةِ هُوَ مَا تَفَرَّعَ عَلَى ذِكْرِهَا مِنْ قَوْلِهِ: فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ. وَيُنَاسِبُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ تَحْذِيرًا مِنْ مُخَالَفَةِ أَمر الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِبْرَةً بِمَا عَرَضَ لَهُمْ مِنَ الْهَزِيمَةِ يَوْمَ أُحُدٍ لَمَّا خَالَفُوا أَمْرَهُ مِنْ عَدَمِ ثَبَاتِ الرُّمَاةِ فِي مَكَانِهِمْ.

وَقَدْ تَشَابَهَتِ الْقِصَّتَانِ فِي أَنَّ الْقَوْمَ فَرُّوا يَوْمَ أُحُدٍ كَمَا فَرَّ قَوْمُ مُوسَى يَوْمَ أَرِيحَا، وَفِي أَنَّ الرُّمَاةَ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَبْرَحُوا مَكَانَهُمْ «وَلَوْ تَخَطَّفَنَا الطَّيْرُ» وَأَنْ يَنْضَحُوا عَنِ الْجَيْشِ بِالنِّبَالِ خَشْيَةَ أَنْ يَأْتِيَهُ الْعَدُوُّ مِنْ خَلْفِهِ لَمْ يَفْعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَعَصَوْا أَمْرَ أَمِيرِهِمْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ وَفَارَقُوا مَوْقِفَهُمْ طَلَبًا لِلْغَنِيمَةِ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ هَزِيمَةِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ.

وَالْوَاوُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَطْفُ تَحْذِيرٍ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ: فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ عَلَى النَّهْيِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصَّفّ: 2] الْآيَةَ.

وَيَتْبَعُ ذَلِكَ تَسْلِيَة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا حَصَلَ مِنْ مُخَالَفَةِ الرُّمَاةِ حَتَّى تَسَبَّبُوا فِي هَزِيمَةِ النَّاسِ.

وإِذْ مُتَعَلِّقَةٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: اذْكُرْ، وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ، أَيِ اذْكُرْ لَهُمْ أَيْضا وَقت قَوْله مُوسَى لِقَوْمِهِ أَوِ اذْكُرْ لَهُمْ مَعَ هَذَا النَّهْيِ وَقْتَ مُوسَى لِقَوْمِهِ.

وَابْتِدَاءُ كَلَامِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِ يَا قَوْمِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ شَأْنَ قَوْمِ الرَّسُولِ أَنْ يُطِيعُوهُ بَلْهَ أَنْ لَا يُؤْذُوهُ. فَفِي النِّدَاءِ بِوَصْفِ قَوْمِ تَمْهِيدٌ لِلْإِنْكَارِ فِي قَوْلِهِ: لِمَ تُؤْذُونَنِي.

وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ، أَيْ إِنْكَارِ أَنْ يَكُونَ لِلْإِذَايَةِ سَبَبٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ.

وَقَدْ جَاءَتْ جُمْلَةُ الْحَالِ مِنْ قَوْلِهِ: وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ مُصَادِفَةَ الْمَحَلِّ مِنَ التَّرَقِّي فِي الْإِنْكَار.

وقَدْ لِتَحْقِيقِ مَعْنَى الْحَالِيَّةِ، أَيْ وَعِلْمُكُمْ بِرِسَالَتِي عَنِ اللَّهِ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ لِمَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015