وَالْمَقْصُودُ: أَنْ لَهُ مَدْلُولَاتِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها [الْبَقَرَة: 31] ، أَيْ عَرَضَ الْمُسَمَّيَاتِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [180] .
يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
جُمْلَةُ يُسَبِّحُ لَهُ إِلَخْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يَعْنِي أَنَّ اتِّصَافَهُ بِالصِّفَاتِ الْحُسْنَى يَضْطَرُّ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنَ الْعُقَلَاءِ عَلَى تَعْظِيمِهِ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّنْزِيهِ عَنِ النَّقَائِصِ فَكُلُّ صِنْفٍ يَبْعَثُهُ عِلْمُهُ بِبَعْضِ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَلَى أَنْ يُنَزِّهَهُ وَيُسَبِّحَهُ بِقَصْدٍ أَوْ بِغَيْرِ قَصْدٍ. فَالدَّهْرِيُّ أَوِ الطَّبَائِعِيُّ إِذَا نَوَّهَ بِنِظَامِ الْكَائِنَاتِ وَأُعْجِبَ بِانْتِسَاقِهَا فَإِنَّمَا يُسَبِّحُ فِي الْوَاقِعِ لِلْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ وَإِنْ كَانَ هُوَ يَدْعُوهُ دَهْرًا أَوْ طَبِيعَةً، هَذَا إِذَا حُمِلَ التَّسْبِيحُ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ التَّنْزِيهُ بِالْقَوْلِ، فَأَمَّا إِنْ حُمِلَ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْمَعْنِيِّينِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ مِنْ دلَالَة على التَّنْزِيه وَلَوْ بِلِسَانِ الْحَالِ. فَالْمَعْنَى: أَنَّ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ صِفَاتِ الْخَلْقِ وَالْإِمْدَادِ وَالْقَهْرِ تَدُلُّ عَلَيْهِ شَوَاهِدُ الْمَخْلُوقَاتِ وَانْتِظَامُ وُجُودِهَا.
وَجُمْلَةُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ الْحَالِ وَأُوثِرَ هَاتَانِ الصِّفَتَانِ لِشِدَّةِ مُنَاسَبَتِهِمَا لِنِظَامِ الْخَلْقِ.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ رَدُّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ لِأَنَّ صَدْرَ السُّورَةِ مُمَاثِلٌ لِآخِرِهَا.
رَوَى التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ عَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ الثَّلَاثَ آيَاتٍ مِنْ آخَرِ سُورَةَ الْحَشْرِ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ [الْحَشْر: 22] إِلَى آخَرِ السُّورَةِ، وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ مَاتَ ذَلِكَ الْيَوْمَ مَاتَ شَهِيدًا.
وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي كَانَ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ»
. فَهَذِهِ فَضِيلَةٌ لِهَذِهِ الْآيَاتِ أُخْرَوِيَّةٌ.