عَلَيْهَا بِمَنْعِ الْمَعْرُوفِ وَالْخَيْرِ فَذَلِكَ مَذْمُومٌ وَيَتَفَاوَتُ ذَمُّهُ بِتَفَاوُتِ مَا يَمْنَعُهُ. قَالَ وَقَدْ أَحْسَنَ وَصْفَهُ مَنْ قَالَ، لَمْ أَقف على قَائِله:
يُمَارِسُ نَفْسًا بَيْنَ جَنْبَيْهِ كَزَّةً ... إِذَا هَمَّ بِالْمَعْرُوفِ قَالَتْ لَهُ مَهْلَا
فَمَنْ وُقِيَ شُحَّ نَفْسِهِ، أَيْ وُقِيَ مِنْ أَنْ يَكُونَ الشُّحُّ الْمَذْمُومُ خُلُقًا لَهُ، لِأَنَّهُ إِذَا وُقِيَ هَذَا الْخُلُقَ سَلِمَ مِنْ كُلِّ مَوَاقِعِ ذَمِّهِ. فَإِنْ وُقِيَ مِنْ بَعْضِهِ كَانَ لَهُ مِنَ الْفَلَاحِ بِمَقْدَارِ مَا وُقِيَهِ.
وَاسْمُ الْإِشَارَةِ لِتَعْظِيمِ هَذَا الصِّنْفِ مِنَ النَّاسِ.
وَصِيغَةُ الْقَصْرِ الْمُؤَدَّاةُ بِضَمِيرِ الْفَصْلِ لِلْمُبَالَغَةِ لِكَثْرَةِ الْفَلَاحِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى وِقَايَةِ شُحِّ النَّفْسِ حَتَّى كَأَنَّ جِنْسَ الْمُفْلِحِ مَقْصُورٌ عَلَى ذَلِكَ الْمُوقَى.
وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ جعل وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ لِلثَّنَاءِ عَلَى الْأَنْصَارِ بِمُنَاسَبَةِ الثَّنَاءِ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَجْعَلُوا لِلْأَنْصَارِ حَظًّا فِي مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى وَقَصَرُوا قَوْلَهُ: مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى [الْحَشْر: 7] عَلَى قُرًى خَاصَّةٍ هِيَ: قُرَيْظَةُ. وَفَدَكُ، وَخَيْبَرُ. وَالنَّفْعُ، وَعُرَيْنَةُ، وَوَادِي الْقُرَى،
وَرَوَوْا أَنَّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيْئَهَا قَالَ لِلْأَنْصَارِ: «إِنْ شِئْتُمْ قَاسَمْتُمُ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ وَدِيَارِكُمْ وَشَارَكْتُمُوهُمْ فِي هَذِهِ الْغَنِيمَةِ، وَإِن شِئْتُمْ أَمْسَكْتُمْ أَمْوَالَكُمْ وتركتم لَهُم هَذَا» ؟ فَقَالُوا: بَلْ نَقْسِمُ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِنَا وَنَتْرُكُ لَهُمْ هَذِهِ الْغَنِيمَةَ، فَنَزَلَتْ آيَةُ مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى
الْآيَة [الْحَشْر: 7] .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَصَرَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى فَيْءِ بَنِي النَّضِيرِ وَكُلُّ ذَلِكَ خُرُوجٌ عَنْ مَهْيَعِ انْتِظَامِ آيِ هَذِهِ السُّورَةِ بَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ وَتَفْكِيكٌ لِنَظْمِ الْكَلَامِ وَتَنَاسُبِهِ مَعَ وَهْنِ الْأَخْبَارِ الَّتِي رَوَوْهَا فِي ذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ. وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَكُونُ عطف وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ عَطْفَ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ، وَاسْمُ الْمَوْصُولِ مُبْتَدَأً وَجُمْلَةُ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ خَبَرًا عَن الْمُبْتَدَأ.
[10]
وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ