وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ هُمُ الْأَنْصَارُ.

وَالدَّارُ تُطْلَقُ عَلَى الْبِلَادِ، وَأَصْلُهَا مَوْضِعُ الْقَبِيلَةِ مِنَ الْأَرْضِ. وَأُطْلِقَتْ عَلَى الْقَرْيَةِ قَالَ تَعَالَى فِي ذِكْرِ ثَمُودَ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ [الْأَعْرَاف: 78] ، أَيْ فِي مَدِينَتِهِمْ وَهِيَ حِجْرُ ثَمُودَ.

وَالتَّعْرِيفُ هُنَا لِلْعَهْدِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّارِ: يَثْرِبُ، وَالْمَعْنَى الَّذِينَ هُمْ أَصْحَابُ الدَّارِ.

هَذَا تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ: يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ.

وَالتَّبَوُّءُ: اتِّخَاذُ الْمَبَاءَةِ وَهِيَ الْبُقْعَةُ الَّتِي يَبُوءُ إِلَيْهَا صَاحِبُهَا، أَيْ يَرْجِعُ إِلَيْهَا بَعْدَ انْتِشَارِهِ فِي أَعْمَالِهِ. وَفِي مَوْقِعِ قَوْلِهِ: وَالْإِيمانَ غُمُوضٌ إِذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولا لفعل تبوّؤوا، فَتَأَوَّلَهُ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُجْعَلَ الْكَلَامُ اسْتِعَارَةً مَكْنِيَّةً بِتَشْبِيهِ الْإِيمَانِ بِالْمَنْزِلِ وَجَعْلِ إِثْبَاتِ التَّبَوُّءِ تَخْيِيلًا فَيكون فعل تبوأوا مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ.

وَجُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ جَعَلُوا الْمَعْطُوفَ عَامِلًا مُقَدَّرًا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، تَقْدِيره:

وَأَخْلَصُوا الْإِيمَانَ عَلَى نَحْوِ قَوْلِ الرَّاجِزِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ:

عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا (?) وَقَوْلِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى:

يَا لَيْتَ زَوْجَكِ قَدْ غَدَا ... مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا

أَيْ وَمُمْسِكًا رُمْحًا وَهُوَ الَّذِي درج عَلَيْهِ فِي «الْكَشَّافُ» . وَقِيلَ الْوَاوُ لِلْمَعِيَّةِ.

والْإِيمانَ مَفْعُولٌ مَعَهُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015