أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ صَارَ جَدِيرًا بِمَا يَرِدُ بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ مِنْ أَجْلِ الْأَخْبَارِ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا عَنْهُ قَبْلَ اسْمِ الْإِشَارَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ فِي سُورَة الْبَقَرَة [5] .
[18]
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (18)
هَذَا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ إِلَى قَوْلِهِ: اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً [المجادلة: 14- 16] وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى نَظِيرِ قَوْلِهِ: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا [المجادلة: 6] . كَمَا سَبَقَ آنِفا فِي هَذَا السُّورَةِ، أَيِ اذْكُرْ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ.
وَحَلِفُهُمْ لِلَّهِ فِي الْآخِرَةِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا حَكَاهُ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الْأَنْعَام: 23] .
وَالتَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ: كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ فِي صِفَةِ الْحَلِفِ، وَهِيَ قَوْلُهُمْ: إِنَّهُمْ غَيْرُ مُشْرِكِينَ، وَفِي كَوْنِهِ حَلِفًا عَلَى الْكَذِبِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ، وَلِذَلِكَ سَمَّاهُ تَعَالَى فِتْنَةً فِي آيَة الْأَنْعَام [23] بقوله تَعَالَى: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ.
وَمَعْنَى وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ يَظُنُّونَ يَوْمَئِذٍ أَنَّ حَلِفَهُمْ يُفِيدُهُمْ تَصْدِيقَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ فَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ حَصَّلُوا شَيْئًا عَظِيمًا، أَيْ نَافِعًا.
وعَلى لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ وَهُوَ شِدَّةُ التَّلَبُّسِ بِالْوَصْفِ وَنَحْوِهِ كَقَوْلِهِ: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [5] .
وَحُذِفَتْ صِفَةُ شَيْءٍ لِظُهُورِ مَعْنَاهَا مِنَ الْمَقَامِ، أَيْ عَلَى شَيْءٍ نَافِعٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ [الْمَائِدَة: 68] .
وَقَول النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سُئِلَ عَنِ الْكُهَّانِ «لَيْسُوا بِشَيْءٍ»
. وَهَذَا يَقْتَضِي تَوَغُّلَهُمْ فِي النِّفَاقِ وَمُرُونَتَهُمْ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ بَاقٍ فِي أَرْوَاحِهِمْ بَعْدَ بَعْثِهِمْ لِأَنَّ نُفُوسَهُمْ خَرَجَتْ مِنْ عَالَمِ الدُّنْيَا مُتَخَلِّقَةً بِهِ، فَإِنَّ النُّفُوسَ إِنَّمَا تَكْتَسِبُ تَزْكِيَةً أَوْ خُبْثًا فِي عَالَمِ التَّكْلِيفِ. وَحِكْمَةُ إِيجَادِ النُّفُوسِ فِي الدُّنْيَا هِيَ تَزْكِيَتُهَا وَتَصْفِيَةُ