أَيِ السَّاعَةِ الْوَاقِعَةِ. وَبِهَذَا الْاِعْتِبَارِ صَارَ فِي قَوْلِهِ: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ مُحْسِنُ التَّجْنِيسِ.
والْواقِعَةُ: الْمَوْصُوفَةُ بِالْوُقُوعِ، وَهُوَ الْحُدُوثُ.
وكاذِبَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمَ فَاعِلٍ مِنْ كَذَبَ الْمُجَرَّدُ، جَرَى عَلَى التَّأْنِيثِ لِلدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُ وَصْفٌ لِمَحْذُوفٍ مُؤَنَّثِ اللَّفْظِ. وَتَقْدِيرُهُ هُنَا نَفْسٌ، أَيْ تَنْتَفِي كُلُّ نَفْسٍ كَاذِبَةٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَذَبَ اللَّازِمِ إِذَا قَالَ خِلَافَ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَذَلِكَ أَنَّ مُنْكِرِي الْقِيَامَةِ يَقُولُونَ: لَا تَقَعُ الْقِيَامَةُ فَيَكْذِبُونَ فِي ذَلِكَ فَإِذَا وَقَعَتِ آمَنَتِ النُّفُوسُ كُلُّهَا بِوُقُوعِهَا فَلَمْ تَبْقَ نَفْسٌ تُكَذِّبُ، أَيْ فِي شَأْنِهَا أَوْ فِي الْإِخْبَارِ عَنْهَا. وَذَلِكَ التَّقْدِيرُ كُلُّهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَذَبَ الْمُتَعَدِّي مِثْلَ الَّذِي فِي قَوْلِهِمْ كَذَبَتْ فَلَانَا نَفْسُهُ، أَيْ حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ، أَيْ رَأْيُهُ بِحَدِيثِ كَذِبٍ وَذَلِكَ أَنَّ اعْتِقَادَ الْمُنْكِرِ لِلْبَعْثِ اعْتِقَادٌ سَوَّلَهُ لَهُ عَقْلُهُ الْقَاصِرُ فَكَأَنَّ نَفْسَهْ حَدَّثَتْهُ حَدِيثًا كَذَّبَتْهُ بِهِ، وَيَقُولُونَ: كَذَبَتْ فَلَانَا نَفْسُهُ فِي الْخَطْبِ الْعَظِيمِ،
إِذَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ فَأَخْفَقَ كَأَنَّ نَفْسَهُ لَمَّا شَجَّعَتْهُ عَلَى اقْتِحَامِهِ قَدْ قَالَتْ لَهُ: إِنَّكَ تُطِيقُهُ فَتَعْرِضُ لَهُ وَلَا تُبَالِ بِهِ فَإِنَّكَ مُذَلِّلُهُ فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ عَجْزُهُ فَكَأَنَّ نَفْسَهُ أَخْبَرَتْهُ بِمَا لَا يَكُونُ فَقَدْ كَذَّبَتْهُ، كَمَا يُقَالُ: كَذَّبَتْهُ عَيْنُهُ إِذَا تَخَيَّلَ مَرْئِيًّا وَلَمْ يَكُنْ.
وَالْمَعْنَى: إِذَا وَقَعَتِ الْقِيَامَةُ تَحَقَّقَ مُنْكِرُوهَا ذَلِكَ فَأَقْلَعُوا عَنِ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّهَا لَا تَقَعُ وَعَلِمُوا أَنَّهُمْ ضَلُّوا فِي اسْتِدْلَالِهِمْ وَهَذَا وَعِيدٌ بِتَحْذِيرِ الْمُنْكِرِينَ لِلْقِيَامِةِ مِنْ خِزْيِ الْخَيْبَةِ وَسَفَاهَةِ الرَّأْيِ بَيْنَ أَهْلِ الْحَشْر.
وَإِطْلَاق وصف الْكَذِبِ فِي جَمِيعِ هَذَا اسْتِعَارَةٌ بِتَشْبِيهِ السَّبَبِ لِلْفِعْلِ غَيْرِ الْمُثْمِرِ بِالْمُخْبِرِ بِحَدِيثِ كَذِبٍ أَوْ تَشْبِيهِ التَّسَبُّبِ بِالْقَوْلِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: الْكَذِبُ ضَرْبٌ مِنَ الْقَوْلِ فَكَمَا جَازَ أَنْ يَتَّسِعَ فِي الْقَوْلِ فِي غَيْرِ نُطْقٍ نَحْوِ قَوْلِ أَبِي النَّجْمِ:
قَدْ قَالَتِ الْأَنْسَاعُ لِلْبَطْنِ الْحَقِّ (?)