تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِسْتَبْرَقَ: صِنْفٌ مِنَ الدِّيبَاجِ، وَالدِّيبَاجُ: ثَوْبٌ مَنْسُوجٌ مِنَ الْحَرِيرِ مَنْقُوشٌ وَهُوَ أَجْوَدُ أَنْوَاعِ الثِّيَابِ.
وَمِنْ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ: مَا يُجْنَى مِنْ ثِمَارِهِمَا، وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ مَا يُقْطَفُ مِنَ الثَّمَرِ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ ثَمَرَ الْجَنَّةِ دَانٍ مِنْهُمْ وَهُمْ عَلَى فُرُشِهِمْ فَمَتَى شَاءُوا اقتطفوا مِنْهُ.
[55]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (55)
هُوَ مثل نَظَائِره.
[56- 58]
فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (58)
ضَمِيرُ فِيهِنَّ عَائِدٌ إِلَى فُرُشٍ وَهُوَ سَبَبُ تَأْخِيرِ نِعَمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِلَذَّةِ التَّأَنُّسِ بِالنِّسَاءِ عَنْ مَا فِي الْجَنَّاتِ مِنَ الْأَفْنَانِ وَالْعُيُونِ وَالْفَوَاكِهِ وَالْفُرُشِ، لِيَكُونَ ذِكْرُ الْفُرُشِ مُنَاسِبًا لِلْاِنْتِقَالِ إِلَى الْأَوَانِسِ فِي تِلْكَ الْفُرُشِ وَلِيَجِيءَ هَذَا الضَّمِيرُ مُفِيدًا مَعْنًى كَثِيرًا مِنْ لَفْظٍ قَلِيلٍ، وَذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ التَّرْتِيب فِي هَذَا التَّرْكِيبِ.
فَ قاصِراتُ الطَّرْفِ كَائِنَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَكَائِنَةٌ عَلَى الْفُرُشِ مَعَ أَزْوَاجِهِنَّ قَالَ تَعَالَى:
وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً [الْوَاقِعَة: 34- 36] الْآيَةَ.
وقاصِراتُ الطَّرْفِ: صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ نِسَاءٌ، وَشَاعَ الْمَدْحُ بِهَذَا الْوَصْفِ فِي الْكَلَامِ حَتَّى نَزَلَ مَنْزِلَةَ الْاِسْمِ فَ قاصِراتُ الطَّرْفِ نِسَاءٌ فِي نَظَرِهِنَّ مِثْلُ الْقُصُورِ وَالْغَضُّ خِلْقَةٌ فِيهِنَّ، وَهَذَا نَظِيرُ مَا يَقُولُ الشُّعَرَاءُ مِنَ الْمُوَلَّدِينَ مِرَاضُ الْعُيُونِ، أَيْ:
مِثْلِ الْمِرَاضِ خِلْقَةً. وَالْقُصُورُ: مِثْلُ الْغَضِّ مِنْ صِفَاتِ عُيُونِ الْمَهَا وَالظِّبَاءِ، قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:
وَمَا سُعَادُ غَدَاةَ الْبَيْنِ إِذْ رَحَلُوا ... إِلَّا أَغَنُّ غَضِيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ