حَالِيَّةً،
وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةُ تَكْرِيرٍ لِلتَّقْرِيرِ وَالتَّوْبِيخِ كَمَا هُوَ بيّن، وَانْشِقَاقُ السَّمَاءِ مِنْ أَحْوَالِ الْحَشْرِ، أَيْ فَإِذَا قَامَتِ الْقِيَامَةُ وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ وَانْشَقَّتِ السَّماءُ [الحاقة: 15، 16] أَنَّ قَوْلَهُ: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ [الحاقة:
18] . وَهَذَا هُوَ الْاِنْشِقَاقُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ [25، 26] .
وَجُمْلَةُ فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِلَخْ جَوَابُ شَرْطِ (إِذَا) . وَاقْتَرَنَ بِالْفَاءِ لِأَنَّهَا صَدَرَتْ بِاسْمِ زمَان وَهُوَ فَيَوْمَئِذٍ وَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِدُخُولِ (إِذَا) عَلَيْهِ.
وَمعنى لَا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ: نَفْيُ السُّؤَالِ الَّذِي يُرِيدُ بِهِ السَّائِلُ مَعْرِفَةَ حُصُولِ الْأَمْرِ الْمُتَرَدِّدِ فِيهِ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ [الْقَصَص: 78] .
وَلَيْسَ هُوَ الَّذِي فِي قَوْله تَعَالَى: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ [الْحجر:
92، 93] وَقَوْلِهِ: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ [الصافات: 24] ، فَإِنَّ ذَلِكَ لِلتَّقْرِيرِ وَالتَّوْبِيخِ فَإِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُتَّسَعُ الزَّمَانِ، فَفِيهِ مُوَاطِنٌ لَا يُسْأَلُ أَهْلُ الذُّنُوبِ عَنْ ذُنُوبِهِمْ، وَفِيهِ مُوَاطِنٌ يُسْأَلُونَ فِيهَا سُؤَالَا تَقْرِيرٍ وَتَوْبِيخٍ.
وَجُمْلَةُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ تَكْرِيرٌ للتقرير والتوبيخ.
[41]
يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (41)
هَذَا اسْتِئْنَاف بياني ناشىء عَنْ قَوْلِهِ: فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ [الرَّحْمَن:
39] ، أَيْ يُسْتَغْنَى عَنْ سُؤَالِهِمْ بِظُهُورِ عَلَامَاتِهِمْ لِلْمَلَائِكَةِ وَيَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُونَ أَخْذَ عِقَابٍ وَيُسَاقُونَ إِلَى الْجَزَاءِ.
وَالسِّيمَا: الْعَلَامَةُ. وَتَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ فِي آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ [273] .
وَ (الْ) فِي بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، أَيْ بِنَوَاصِيهِمْ وَأَقْدَامِهِمْ وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ.