ذِكْرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، كَانَ ذَلِكَ مُقْتَضِيًا سُلُوكَ طَرِيقَةِ الْوَصْلِ بَالْعَطْفِ بِجَامِعِ التَّضَادِّ.

وَجُعِلَتِ الْجُمْلَةُ مُفْتَتَحَةً بِالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ لِتَكُونَ عَلَى صُورَةِ فَاتِحَةِ الْجُمْلَةِ الَّتِي عطفت هِيَ عَلَيْهَا. وَأُتِيَ بِالْمُسْنَدِ فِعْلًا مُضَارِعًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَجَدُّدٍ هَذَا السُّجُودِ وَتَكَرُّرِهِ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ [الرَّعْد: 15] .

والنَّجْمُ يُطْلَقُ: اسْمَ جَمْعٍ عَلَى نُجُومِ السَّمَاءِ قَالَ تَعَالَى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى [النَّجْم: 1] ، وَيُطْلَقُ مُفْرَدًا فَيُجْمَعُ عَلَى نُجُومٍ، قَالَ تَعَالَى: وَإِدْبارَ النُّجُومِ [الطّور: 49] .

وَعَنْ مُجَاهِدٍ تَفْسِيرُهُ هُنَا بِنُجُومِ السَّمَاءِ.

وَيُطْلَقُ النَّجْمُ عَلَى النَّبَاتِ وَالْحَشِيشِ الَّذِي لَا سُوقَ لَهُ فَهُوَ مُتَّصِلٌ بِالتُّرَابِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَفْسِيرُ النَّجْمِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالنَّبَاتِ الَّذِي لَا سَاقَ لَهُ. وَالشَّجَرُ: النَّبَاتُ الَّذِي لَهُ سَاقٌ وَارْتِفَاعٌ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ. وَهَذَانَ يَنْتَفِعُ بِهِمَا الْإِنْسَانُ وَالْحَيَوَانُ.

فَحَصَلَ مِنْ قَوْلِهِ: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ بَعْدَ قَوْلِهِ: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ [الرَّحْمَن: 5] قَرِينَتَانِ مُتَوَازِيَتَانِ فِي الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَهَذَا مِنَ الْمُحَسِّنَاتِ الْبَدِيعِيَّةِ الْكَامِلَةِ.

وَالسُّجُودُ: يُطْلَقُ عَلَى وَضْعِ الْوَجْهِ عَلَى الْأَرْضِ بِقَصْدِ التَّعْظِيمِ، وَيُطلق على الْوُقُوعُ عَلَى الْأَرْضِ مَجَازًا مُرْسَلًا بِعَلَاقَةِ الْإِطْلَاقِ، أَوِ اسْتِعَارَةً وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: «نَخْلَةٌ سَاجِدَةٌ» إِذَا أَمَالَهَا حِمْلُهَا، فَسُجُودُ نُجُومِ السَّمَاءِ نُزُولُهَا إِلَى جِهَاتِ غُرُوبِهَا، وَسُجُودُ نَجْمِ الْأَرْضِ الْتِصَاقُهُ بِالتُّرَابِ كَالسَّاجِدِ، وَسُجُودُ الشَّجَرِ تَطَأْطُؤُهُ بِهُبُوبِ الرِّيَاحِ وَدُنُوُّ أَغْصَانِهِ لِلجَّانِينَ لِثِمَارِهِ وَالْخَابِطِينَ لِوَرَقِهِ، فَفِعْلُ يَسْجُدانِ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَيَيْنِ مَجَازِيَّيْنِ وَهُمَا الدُّنُوُّ لِلْمُتَنَاوِلِ وَالدَّلَالَةُ عَلَى عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ شَبَّهَ ارْتِسَامَ ظِلَالِهِمَا عَلَى الْأَرْضِ بِالسُّجُودِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ [15] ، وَكَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015