يَثِبُ فِي الدِّرْعِ، وَيَقُولُ: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ»
اه، أَيْ لَمْ يَتَبَيَّنُ لَهُ الْمُرَادُ بِالْجَمْعِ الَّذِي سَيُهْزَمُ وَيُوَلِّي الدُّبُرَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ قِتَالٌ وَلَا كَانَ يَخْطُرُ لَهُم ببال.
[46]
بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (46)
بَلِ لِلْإِضْرَابِ الْاِنْتِقَالِيِّ، وَهُوَ انْتِقَالٌ مِنَ الْوَعِيدِ بِعَذَابِ الدُّنْيَا كَمَا حَلَّ بِالْأُمَمِ قَبْلَهُمْ، إِلَى الْوَعِيدِ بِعَذَابِ الْآخِرَةِ. قَالَ تَعَالَى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ
الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
[السَّجْدَة: 21] ، وَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَعْظَمُ فَلِذَلِكَ قَالَ: وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى [طه: 127] وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى [فصلت: 16] .
والسَّاعَةُ: عِلْمٌ بِالْغَلَبَةِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى يَوْمِ الْجَزَاءِ.
وَالْمَوْعِدُ: وَقْتُ الْوَعْدِ، وَهُوَ هُنَا وَعْدُ سُوءٍ، أَيْ وَعِيدٌ. وَالْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى اللَّامِ أَيْ مَوْعِدٌ لَهُمْ. وَهَذَا إِجْمَالٌ بِالْوَعِيدِ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ مَا يَفْصِلُهُ وَهُوَ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ. وَوَجْهُ الْعَطْفِ أَنَّهُ أُرِيدَ جَعْلُهُ خَبَرًا مُسْتَقِلًّا.
وأَدْهى: اسْمُ تَفْضِيلٍ مَنْ دَهَاهُ إِذَا أَصَابَهُ بِدَاهِيَةٍ، أَيِ السَّاعَةُ أَشَدُّ إِصَابَةً بِدَاهِيَةِ الْخُلُودِ فِي النَّارِ مِنْ دَاهِيَةِ عَذَابِ الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالْأَسْرِ.
وَأَمَرُّ: أَيْ أَشَدُّ مَرَارَةً. وَاسْتُعِيرَتِ الْمَرَارَةُ لِلْإِحْسَاسِ بِالْمَكْرُوهِ عَلَى طَرِيقَةِ تَشْبِيهِ الْمَعْقُولِ الْغَائِبِ بِالْمَحْسُوسِ الْمَعْرُوفِ.
وَأُعِيدَ اسْمُ السَّاعَةُ فِي قَوْلِهِ: وَالسَّاعَةُ أَدْهى دُونَ أَنْ يُؤْتَى بِضَمِيرِهَا لِقَصْدِ التَّهْوِيلِ، وَلِتَكُونَ الْجُمْلَةُ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا فَتَسِيرَ مسير الْمثل.