حَقِيقَتِهِ، وَيَكُونُ مِنَ الْمُحَسِّنِ الْبَدِيعِيِّ الَّذِي سَمَّاهُ السَّكَّاكِيُّ «سَوْقَ الْمَعْلُومِ مَسَاقَ غَيْرِهِ» . وَسَمَّاهُ أَهْلُ الْأَدَبِ مِنْ قَبْلِهِ بِ «تَجَاهُلِ الْعَارِفِ» . وَعَدَلَ السَّكَّاكِيُّ عَنْ تِلْكَ التَّسْمِيَةِ وَقَالَ لِوُقُوعِهِ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى نَحْوِ قَوْلِهِ: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [سبأ: 24] وَهُوَ هُنَا لِلتَّوْبِيخِ كَمَا فِي قَوْلِ لَيْلَى ابْنَةِ طَرِيفٍ الْخَارِجِيَّةِ تَرْثِي أَخَاهَا الْوَلِيدَ بْنَ طريف الشَّيْبَانِيّ:

أَبَا شجر الخابور مَا لَك مُورِقًا ... كَأَنَّكَ لَمْ تَجْزَعْ عَلَى ابْنِ طَرِيفِ

الشَّاهِدُ فِي قَوْلِهَا: كَأَنَّكَ لَمْ تَجْزَعْ إِلَخ.

والتوبيخ عَن تَخْطِئَتِهِمْ فِي عَدَمِ الْعَذَابِ الَّذِي حَلَّ بِأَمْثَالِهِمْ حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَحْسَبُونَ كُفَّارَهُمْ خَيْرًا مِنَ الْكُفَّارِ الْمَاضِينَ الْمُتَحَدَّثِ عَنْ قِصَصِهِمْ، أَيْ لَيْسَ لَهُمْ خَاصِّيَّةٌ تَرْبَأُ بِهِمْ عَنْ أَنْ يَلْحَقَهُمْ مَا لَحِقَ الْكُفَّارَ الْمَاضِينَ. وَالْمَعْنَى: إِنَّكُمْ فِي عَدَمِ اكْتِرَاثِكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ بِأَحْوَالِ الْمُكَذِّبِينَ السَّابِقَيْنِ لَا تَخْلَوْنَ عَنْ أَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ الَّذِي طَمْأَنَكُمْ مِنْ أَن يُصِيبكُم مثل مَا أَصَابَهُمْ.

وأَمْ لِلْإِضْرَابِ الْاِنْتِقَالِيِّ. وَمَا يُقَدَّرُ بَعْدَهَا مِنِ اسْتِفْهَامٍ مُسْتَعْمَلٍ فِي الْإِنْكَارِ.

وَالتَّقْدِيرُ: بَلْ مَا لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ حَتَّى تَكُونُوا آمَنِينَ مِنَ الْعِقَابِ.

وَضَمِيرُ كُفَّارُكُمْ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَهُمْ أَنْفُسُهُمُ الْكُفَّارُ، فَإِضَافَةُ لَفْظِ (كُفَّارٍ) إِلَى ضَمِيرِهِمْ إِضَافَةً بَيَانِيَّةً لِأَنَّ الْمُضَافَ صِنْفٌ مِنْ جِنْسِ مَنْ أُضِيفَ هُوَ إِلَيْهِ فَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مِنْ

الْبَيَانِيَّةِ. وَالْمَعْنَى: الْكُفَّارُ مِنْكُمْ خَيْرٌ مِنَ الْكُفَّارِ السَّالِفِينَ، أَيْ أَأَنْتُمُ الْكُفَّارُ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكَ الْكُفَّارِ.

وَالْمُرَادُ بِالْأَخْيَرِيَّةِ انْتِفَاءُ الْكُفْرِ، أَيْ خَيْرٌ عِنْدَ اللَّهِ الْاِنْتِقَامُ الْإِلَهِيُّ وَادِّعَاءُ فَارِقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أُولَئِكَ.

وَالْبَرَاءَةُ: الْخَلَاصُ وَالسَّلَامَةُ مِمَّا يَضُرُّ أَوْ يَشُقُّ أَوْ يُكَلِّفُ كُلْفَةً. وَالْمُرَادُ هُنَا:

الْخَلَاصُ مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ وَالْمُعَاقَبَةِ.

والزُّبُرِ: جَمْعُ زَبُورٍ، وَهُوَ الْكِتَابُ، وَزَبُورٌ بِمَعْنَى مَزْبُورٍ، أَيْ بَرَاءَةٌ كُتِبَتْ فِي كُتُبِ اللَّهِ السَّالِفَةِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015