وَ (عَلى) لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ وَهُوَ التَّمَكُّنُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ، وَإِلَّا فَإِنَّ اسْتِقْرَارَهُ فِي السَّفِينَةِ كَائِنٌ فِي جَوْفِهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ [الحاقة: 11] قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ [هود: 40] .
وَالْبَاءُ فِي بِأَعْيُنِنا لِلْمُلَابَسَةِ.
وَالْأَعْيُنُ: جَمْعُ عَيْنٍ بِإِطْلَاقِهِ الْمَجَازِيِّ، وَهُوَ الِاهْتِمَامُ وَالْعِنَايَةُ، كَقَوْلِ النَّابِغَةِ:
عَلِمْتُكَ تَرْعَانِي بِعَيْنٍ بَصِيرَةٍ وَقَالَ تَعَالَى: فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا [الطّور: 48] .
وَجُمِعَ الْعَيْنُ لِتَقْوِيَةِ الْمَعْنَى لِأَنَّ الْجَمْعَ أَقْوَى مِنَ الْمُفْرَدِ، أَيْ بِحِرَاسَاتٍ مِنَّا وَعِنَايَاتٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِ الْعِنَايَاتِ بِتَنَوُّعِ آثَارِهَا. وَأَصْلُ اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْعَيْنِ فِي مِثْلِهِ تَمْثِيلٌ بِحَالِ النَّاظِرِ إِلَى الشَّيْءِ الْمَحْرُوسِ مِثْلُ الرَّاعِينَ كَمَا يُقَالُ لِلْمُسَافِرِ: «عَيْنُ اللَّهِ عَلَيْكَ» ، ثُمَّ شَاعَ ذَلِكَ حَتَّى سَاوَى الْحَقِيقَةَ فَجُمِعَ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ.
وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ هُودٍ.
وجَزاءً مفعول لأَجله لفتحنا وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، أَيْ: فَعَلْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ جَزَاء لنوح. ولِمَنْ كانَ كُفِرَ هُوَ نُوحٌ فَإِنَّ قَوْمَهُ كَفَرُوا بِهِ، أَيْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِأَنَّهُ رَسُولٌ وَكَانَ كُفْرُهُمْ بِهِ مُنْذُ جَاءَهُمْ بِالرِّسَالَةِ فَلِذَلِكَ أَقْحَمَ هُنَا فِعْلَ كانَ، أَيْ لِمَنْ كُفِرَ مُنْذُ زَمَانٍ مَضَى وَذَلِكَ مَا حُكِيَ فِي سُورَةِ نُوحٍ [5- 9] بِقَوْلِهِ: قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً إِلَى قَوْلِهِ: ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً.
وَحَذَفَ مُتَعَلِّقَ كُفِرَ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. وَتَقْدِيرُهُ: كُفِرَ بِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ نَصَحَ لَهُمْ وَلَقِيَ فِي ذَلِكَ أَشَدَّ الْعَنَاءِ فَلَمْ يَشْكُرُوا لَهُ بَلْ كَفَرُوهُ فَهُوَ مَكْفُورٌ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَكْفُرُونِ [الْبَقَرَة: 152] .