فِيمَا يَأْتِي مِنَ الزَّمَانِ قُرْبًا نِسْبِيًّا بِالنِّسْبَةِ لِمَا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ ابْتِدَاءً مِنْ خَلْقِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ عَلَى نَحْوِ

قَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ»

وَأَشَارَ بِسَبَّابَتِهِ وَالْوُسْطَى فَإِنَّ تَحْدِيدَ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ خَلْقِ الْعَالَمِ أَوْ مِنْ وَقْتِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ أَمْرٌ لَا قِبَلَ لِلنَّاسِ بِهِ وَمَا يُوجَدُ فِي كُتُبِ الْيَهُودِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْحَدْسِ وَالتَّوَهُّمَاتِ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: «وَكُلُّ مَا يُرْوَى مِنَ التَّحْدِيدِ فِي عُمْرِ الدُّنْيَا فَضَعِيفٌ وَاهِنٌ» اه.

وَفَائِدَةُ هَذَا الِاعْتِبَارِ أَنْ يُقْبِلَ النَّاسُ عَلَى نَبْذِ الشِّرْكِ وَعَلَى الِاسْتِكْثَارِ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ وَاجْتِنَابِ الْآثَامِ لِقُرْبِ يَوْمِ الْجَزَاءِ.

وَالسَّاعَةُ: عَلَمٌ بِالْغَلَبَةِ عَلَى وَقْتِ فَنَاءِ هَذَا الْعَالَمِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالسَّاعَةِ سَاعَةٌ مَعْهُودَةٌ أُنْذِرُوا بِهَا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ وَهِيَ سَاعَةُ اسْتِئْصَالِ الْمُشْرِكِينَ بِسِيُوفِ الْمُسْلِمِينَ.

وَإِنْ حُمِلَ الْقُرْبُ عَلَى الْمَجَازِ، أَيِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْإِمْكَانِ، فَالْمَعْنَى: اتَّضَحَ لِلنَّاسِ مَا كَانُوا يَجِدُونَهُ مُحَالًا مِنْ فَنَاءِ الْعَالَمِ فَإِنَّ لِحُصُولِ الْمُثُلِ وَالنَّظَائِرِ إِقْنَاعًا بِإِمْكَانِ أَمْثَالِهَا الَّتِي هِيَ أَقْوَى مِنْهَا.

وَعَطْفُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ عَطْفُ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ.

وَالْخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ وَهُوَ الْمَوْعِظَةُ إِنْ كَانَتِ الْآيَةُ نَزَلَتْ بَعْدَ انْشِقَاقِ الْقَمَرِ كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ عِلْمَهُمْ بِذَلِكَ حَاصِلٌ فَلَيْسُوا بِحَاجَةٍ إِلَى إِفَادَتِهِمْ حُكْمَ هَذَا الْخَبَرِ وَإِنَّمَا هُمْ بِحَاجَةٍ إِلَى التَّذْكِيرِ بِأَنَّ مِنْ أَمَارَاتِ حُلُولِ السَّاعَةِ أَنْ يَقَعَ خَسْفٌ فِي الْقَمَرِ بِمَا تَكَرَّرَتْ مَوْعِظَتُهُمْ بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ [الْقِيَامَة: 7، 8] الْآيَةَ إِذْ مَا يَأْمَنُهُمْ أَنْ يَكُونَ مَا وَقَعَ مِنَ انْشِقَاقِ الْقَمَرِ أَمَارَةً عَلَى اقْتِرَابِ السَّاعَةِ فَمَا الِانْشِقَاقُ إِلَّا نَوْعٌ مِنَ الْخَسْفِ فَإِنَّ أَشْرَاطَ السَّاعَةِ وَعَلَامَاتِهَا غَيْرُ مَحْدُودَةِ الْأَزْمِنَةِ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ من مشروطها.

[2]

[سُورَة الْقَمَر (54) : آيَةً 2]

وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2)

يجوز أَن يَكُونَ تَذْيِيلًا لِلْإِخْبَارِ بِانْشِقَاقِ الْقَمَرِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِ آيَةً فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ يَرَوْا آيَةً الْقَمَرَ. فَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا رَأَوُا انْشِقَاقَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015