لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَ ظَهَرَ فِيهِمْ رَجُلٌ يُعْرَفُ بِأَبِي كَبْشَةَ عَبَدَ الشِّعْرَى وَدَعَا خَلْقًا إِلَى عِبَادَتِهَا» .

وَتَخْصِيصُ الشِّعْرَى بِالذِّكْرِ فِي هَاتِهِ السُّورَةِ أَنَّهُ تَقَدَّمَ ذِكْرُ اللَّاتِ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ وَهِيَ مَعْبُودَاتٌ وَهْمِيَّةٌ لَا مُسَمَّيَاتِ لَهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها [النَّجْم: 23] وَأَعْقَبَهَا بِإِبْطَالِ إِلَهِيَّةِ الْمَلَائِكَةِ وَهِيَ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ الْمُجَرَّدَاتِ الْخَفِيَّةِ، أَعْقَبَ ذَلِكَ بِإِبْطَالِ عِبَادَةِ الْكَوَاكِبِ وَخُزَاعَةُ أَجْوَارٍ لِأَهْلِ مَكَّةَ فَلَمَّا عَبَدُوا الشِّعْرَى ظَهَرَتْ عِبَادَةُ الْكَوَاكِبِ فِي الْحِجَازِ، وَإِثْبَاتُ أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى دَلِيلٌ عَلَى إِبْطَالِ إِلَهِيَّتِهَا لِأَنَّ الْمَخْلُوقَ لَا يَكُونُ إِلَهًا، وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ [فصلت: 37] مَعَ مَا فِي لَفْظِ الشِّعْرَى مِنْ مُنَاسَبَةِ فَوَاصَلِ هَذِهِ السُّورَةِ.

وَالْإِتْيَانُ بِضَمِيرِ الْفَصْلِ يُفِيدُ قَصْرَ مَرْبُوبِيَّةِ الشِّعْرَى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ كَوْنِهِ رَبَّ مَا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الشِّعْرَى، أَيْ هُوَ رَبُّ تِلْكَ الْآثَارِ وَمُقَدِّرُهَا وَلَيْسَتِ الشِّعْرَى رَبَّةَ تِلْكَ الْآثَارِ الْمُسْنَدَةِ إِلَيْهَا فِي مَزَاعِمِهِمْ، وَلَيْسَ لِقَصْرِ كَوْنِ رَبِّ الشِّعْرَى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَقِدُوا أَنَّ لِلشِّعْرَى رَبًّا غَيْرَ اللَّهِ ضَرُورَةَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الشِّعْرَى رَبَّةٌ مَعْبُودَةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا تَتَصَرَّفُ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَن صفتهَا.

[50- 52]

[سُورَة النَّجْم (53) : الْآيَات 50 إِلَى 52]

وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى (50) وَثَمُودَ فَما أَبْقى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى (52)

لَمَّا اسْتُوفِيَ مَا يَسْتَحِقُّهُ مَقَامُ النِّدَاءِ عَلَى بَاطِلِ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنْ تَكْذِيبِهِمُ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَعْنِهِمْ فِي الْقُرْآنِ، وَمِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَقَوْلِهِمْ فِي الْمَلَائِكَةِ، وَفَاسِدِ مُعْتَقَدِهِمْ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ، وَفِي الْمُتَصَرِّفِ فِي الدُّنْيَا، وَكَانَ مُعْظَمُ شَأْنِهِمْ فِي هَذِهِ الضَّلَالَاتِ شَبِيهًا بِشَأْنِ أُمَمِ الشِّرْكِ الْبَائِدَةِ نُقِلَ الْكَلَامُ إِلَى تَهْدِيدِهِمْ بِخَوْفِ أَنْ يَحُلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِتِلْكَ الْأُمَمِ الْبَائِدَةِ فَذَكَرَ مِنْ تِلْكَ الْأُمَمِ أَشْهُرَهَا عِنْدَ الْعَرَبِ وَهُمْ: عَادٌ، وَثَمُودُ، وَقَوْمُ نُوحٍ، وَقَوْمُ لُوطٍ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015