وَهَذِهِ الْوُجُوهُ غَيْرُ مُتَنَافِيَةٍ فَنَحْمِلُهَا عَلَى أَنَّ جَمِيعَهَا مَقْصُودٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ.
وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ فِعْلَ «أَرَأَيْتُمْ» (عَلَى اعْتِبَارِ الرُّؤْيَةِ عِلْمِيَّةً) مُعَلَّقًا عَنِ الْعَمَلِ لِوُقُوعِ إِنْ النَّافِيَةَ بَعْدَهُ فِي قَوْلِهِ: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها وَتَجْعَلُ جُمْلَةَ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى إِلَى قَوْلِهِ: ضِيزى اعْتِرَاضًا.
وَاللَّاتُ: صَنَمٌ كَانَ لِثَقِيفٍ بِالطَّائِفِ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ وَجُمْهُورُ الْعَرَبِ يَعْبُدُونَهُ، وَلَهُ شُهْرَةٌ عِنْدَ قُرَيْشٍ، وَهُوَ صَخْرَةٌ مُرَبَّعَةٌ بَنَوْا عَلَيْهَا بِنَاءً. وَقَالَ الْفَخْرُ: «كَانَ عَلَى صُورَةِ إِنْسَانٍ، وَكَانَ فِي مَوْضِعِ مَنَارَةِ مَسْجِدِ الطَّائِفِ الْيُسْرَى» كَذَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فَلَعَلَّ الْمَسْجِدَ كَانَتْ لَهُ مَنَارَتَانِ.
وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي أَوَّلِ اللَّاتَ زَائِدَتَانِ. وَ (أَلْ) الدَّاخِلَةُ عَلَيْهِ زَائِدَةٌ وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِأَنَّ أَصْلَهُ: لَاتٌ، بِمَعْنَى مَعْبُودٍ، فَلَمَّا أَرَادُوا جَعْلَهُ عَلَمًا عَلَى مَعْبُودٍ خَاصٍّ أَدْخَلُوا عَلَيْهِ لَامَ تَعْرِيفِ الْعَهْدِ كَمَا فِي اللَّهِ فَإِنَّ أَصْلَهُ إِلَهٌ. وَيُوقَفُ عَلَيْهِ بِسِكُونِ تَائِهِ فِي الْفُصْحَى.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: اللَّاتَ بِتَخْفِيفِ الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة. وقرأه رُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ بِتَشْدِيدِ
التَّاءِ وَذَلِكَ لُغَةٌ فِي هَذَا الِاسْمِ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُونَ: أَصْلُ صَخْرَتِهِ مَوْضِعٌ كَانَ يَجْلِسُ عَلَيْهِ رَجُلٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَلُتُّ السَّوِيقَ لِلْحَاجِّ فَلَمَّا مَاتَ اتَّخَذُوا مَكَانَهُ مَعْبَدًا.
والْعُزَّى: فُعْلَى مِنَ الْعِزِّ: اسْمُ صَنَمِ حَجَرٍ أَبْيَضَ عَلَيْهِ بِنَاءٌ وَقَالَ الْفَخْرُ: «كَانَ عَلَى صُورَةِ نَبَاتٍ» وَلَعَلَّهُ يَعْنِي: أَنَّ الصَّخْرَةَ فِيهَا صُورَةُ شَجَرٍ، وَكَانَ بِبَطْنِ نَخْلَةٍ فَوْقَ ذَاتِ عِرْقٍ وَكَانَ جُمْهُورُ الْعَرَبِ يعبدونها وخاصة قُرَيْش وَقَدْ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمَ أُحُدٍ يُخَاطِبُ الْمُسْلِمِينَ «لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ» .
وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ أَنَّ الْعَرَب كَانُوا إِذا شَرَعُوا فِي عمل قَالُوا:
بِسم اللَّاتِ بِاسْمِ الْعُزَّى.
وَأَمَّا مَناةَ فَعَلَمٌ مُرْتَجَلٌ، وَهُوَ مُؤَنَّثٌ فَحَقُّهُ أَنْ يُكْتَبَ بِهَاءِ تَأْنِيثِ فِي آخِرِهِ وَيُوقَفُ عَلَيْهِ بِالْهَاءِ، وَيَكُونُ مَمْنُوعًا مِنَ الصَّرْفِ، وَفِيهِ لُغَةٌ بِالتَّاءِ الْأَصْلِيَّةِ فِي آخِرِهِ