وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: الْفُؤادُ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، أَيْ فُؤَادُهُ وَعَلَيْهِ فَيَكُونَ تَفْرِيعُ الِاسْتِفْهَامِ فِي قَوْلِهِ: أَفَتُمارُونَهُ عَلى مَا يَرى اسْتِفْهَامًا إِنْكَارِيًّا لِأَنَّهُمْ مَارَوْهُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى تَأْكِيدًا لِمَضْمُونِ قَوْلِهِ: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ [النَّجْم: 9] فَإِنَّهُ يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ بِمَرْأًى من النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرفع احْتِمَالِ الْمَجَازِ فِي تَشْبِيهِ الْقُرْبِ، أَيْ هُوَ قُرْبٌ حِسِّيٌّ وَلَيْسَ مُجَرَّدَ اتِّصَالٍ رُوحَانِيٍّ فَيَكُونُ الِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ:
أَفَتُمارُونَهُ عَلى مَا يَرى مُسْتَعْمَلًا فِي الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ، أَيْ أَفَسَتُكَذِّبُونَهُ فِيمَا يَرَى بِعَيْنَيْهِ كَمَا كَذَّبْتُمُوهُ فِيمَا بَلَغَكُمْ عَنِ اللَّهِ، كَمَا يَقُولُ قَائِلٌ: «أَتَحْسَبُنِي غَافِلًا» وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِلْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ فِي قَضِيَّتِهِمَا «أَتُحَاوِلَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ» .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ مَا كَذَبَ بِتَخْفِيفِ الذَّالِ، وَقَرَأَهُ هِشَامٌ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ بِتَشْدِيدِ الذَّالِ، وَالْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ عَلَى حَالِهِمَا كَمَا فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ.
وَالْفُؤَادُ: الْعَقْلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَالَ تَعَالَى: وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً [الْقَصَص: 10] .
وَالْكَذِبُ: أُطْلِقَ عَلَى التَّخْيِيلِ وَالتَّلْبِيسِ مِنَ الْحَوَاسِّ كَمَا يُقَالُ: كَذَّبَتْهُ عَيْنُهُ.
وَمَا
مَوْصُولَةٌ، وَالرَّابِطُ مَحْذُوفٌ، وَهُوَ ضَمِيرٌ عَائِدٌ إِلَى عَبْدِهِ
فِي قَوْلِهِ:
فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ
[النَّجْم: 10] أَيْ مَا رَآهُ عَبْدُهُ بِبَصَرِهِ.
وَتَفْرِيعُ أَفَتُمارُونَهُ عَلَى جُمْلَةِ مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ أَفَتُمارُونَهُ مِنَ الْمُمَارَاةِ وَهِيَ الْمُلَاحَاةُ وَالْمُجَادَلَةُ فِي الْإِبْطَالِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ وَخَلَفٌ أَفَتَمْرُونَهُ بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ مُضَارِعُ مَرَاهُ إِذَا جَحَدَهُ، أَيْ أَتَجْحَدُونَهُ أَيْضًا فِيمَا رَأَى، وَمَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ مُتَقَارِبٌ.