وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: بِحَمْدِ رَبِّكَ لِلْمُصَاحَبَةِ جَمْعًا بَيْنَ تَعْظِيمِ اللَّهِ بِالتَّنْزِيهِ عَنِ النَّقَائِصِ وَبَيْنَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِأَوْصَافِ الْكَمَالِ.
وحِينَ تَقُومُ وَقْتَ الْهُبُوبِ مِنَ النَّوْمِ، وَهُوَ وَقْتُ اسْتِقْبَالِ أَعْمَالِ الْيَوْمِ وَعِنْدَهُ تَتَجَدَّدُ الْأَسْبَابُ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا أُمِرَ بِالصَّبْرِ وَالتَّسْبِيحِ وَالْحَمْدِ.
فَالتَّسْبِيحُ مُرَادٌ بِهِ: الصَّلَاةُ، وَالْقِيَامُ: جَعْلُ وَقْتٍ لِلصَّلَوَاتِ: إِمَّا للنوافل، وَإِمَّا لصَلَاة الْفَرِيضَةِ وَهِيَ الصُّبْحُ.
وَقِيلَ: التَّسْبِيحُ قَوْلُهُ: «سُبْحَانَ اللَّهِ» ، وَالْقِيَامُ: الِاسْتِعْدَادُ لِلصَّلَاةِ أَوِ الْهُبُوبُ مِنَ النَّوْمِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَابْنِ زَيْدٍ وَالضَّحَّاكِ عَلَى تَقَارُبٍ بَيْنَ أَقْوَالِهِمْ، أَيْ يَقُولُ الْقَائِمُ: «سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ» أَو يَقُول: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ» .
وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَمَاعَةٍ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِيَامِ الْقِيَامُ مِنَ الْمَجْلِسِ لِمَا
رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا فَكثر فِيهِ لغظه فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ»
وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ.
ومِنَ اللَّيْلِ أَيْ زَمَنًا هُوَ بَعْضُ اللَّيْلِ، فَيَشْمَلُ وَقْتَ النَّهْيِ لِلنَّوْمِ وَفِيهِ تَتَوَارَدُ عَلَى الْإِنْسَانِ ذِكْرَيَاتُ مَهَمَّاتِهِ، وَيَشْمَلُ وَقْتَ التَّهَجُّدِ فِي اللَّيْلِ.
وَقَوْلُهُ: فَسَبِّحْهُ اكْتِفَاءٌ، أَيْ وَاحْمِدْهُ.
وَانْتَصَبَ وَإِدْبارَ النُّجُومِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ: وَوَقْتَ إِدْبَارِ النُّجُومِ.
وَالْإِدْبَارُ: رُجُوعُ الشَّيْءِ مِنْ حَيْثُ جَاءَ لِأَنَّهُ يَنْقَلِبُ إِلَى جِهَةِ الدُّبُرِ، أَيِ الظَّهْرِ.
وَإِدْبَارُ النُّجُومِ: سُقُوطُ طَوَالِعُهَا، فَإِطْلَاقُ الْإِدْبَارِ هُنَا مَجَازٌ فِي الْمُفَارَقَةِ