وَقَالُوا فِي أُصُولِ شِرْكِهِمْ بِتَعَدُّدِ الْآلِهَةِ مَعَ اعْتِرَافِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَقَالُوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ [الزمر: 3] ، وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها [الْأَعْرَاف: 28] .
وَ (فِي) لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ وَهِيَ شِدَّةُ الْمُلَابَسَةِ الشَّبِيهَةِ بِمُلَابَسَةِ الظَّرْفِ لِلْمَظْرُوفِ مِثْلَ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ [الْبَقَرَة: 15] .
وَالْمَقْصُودُ بِقَوْلِهِ: إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ الْكِنَايَةُ عَنْ لَازِمِ الِاخْتِلَافِ وَهُوَ التَّرَدُّدُ فِي الِاعْتِقَادِ، وَيَلْزَمُهُ بُطْلَانُ قَوْلِهِمْ وَذَلِكَ مَصَبُّ التَّأْكِيدِ بِالْقَسَمِ وَحَرْفِ (إِنَّ) وَاللَّامِ.
ويُؤْفَكُ: يُصْرَفُ. وَالْأَفْكُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ: الصَّرْفُ. وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الصَّرْفِ عَنْ أَمْرٍ حَسَنٍ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ كَمَا فِي «اللِّسَانِ» ، وَهُوَ ظَاهر كَلَام أيمة اللُّغَةِ وَالْفَرَّاءِ وَشَمَرٍ وَذَلِكَ مَدْلُولُهُ فِي مَوَاقِعِهِ مِنَ الْقُرْآنِ.
وَجُمْلَةُ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلِّ صِفَةٍ ثَانِيَةٍ لِ قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا نَاشِئًا عَنْ قَوْلِهِ: وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ [الذاريات: 6] ، فَتَكُونُ جُمْلَةُ وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْجُمْلَةِ الْبَيَانِيَّةِ وَالْجُمْلَةِ الْمُبَيَّنِ عَنْهَا. ثُمَّ إِنَّ لَفْظَ قَوْلٍ يَقْتَضِي شَيْئًا مَقُولًا فِي شَأْنِهِ فَإِذْ لَمْ يُذْكَرْ بَعْدَ قَوْلٍ مَا يَدُلُّ عَلَى مَقُولٍ صَلَحَ لِجَمِيعِ أَقْوَالِهِمُ الَّتِي اخْتَلَقُوهَا فِي شَأْنِهِ لِلْقُرْآنِ وَدَعْوَةِ الْإِسْلَامِ كَمَا تَقَدَّمَ.
فَلَمَّا جَاءَ ضَمِيرُ غَيْبَةٍ بَعْدَ لَفْظِ قَوْلٍ احْتَمَلَ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ إِلَى قَوْلٍ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ، وَأَنْ يَعُودَ إِلَى أَحْوَالِ الْمَقُولِ فِي شَأْنِهِ فَقِيلَ ضَمِيرٌ عَنْهُ عَائِدٌ إِلَى قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ وَأَنَّ مَعْنَى يُؤْفَكُ عَنْهُ يُصْرَفُ بِسَبَبِهِ، أَيْ يُصْرَفُ الْمَصْرُوفُونَ عَنِ الْإِيمَانِ فَتَكُونُ (عَنْ) لِلتَّعْلِيلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ [هود: 53] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ [التَّوْبَة: 114] ، وَقِيلَ ضَمِيرُ عَنْهُ عَائِدٌ إِلَى مَا تُوعَدُونَ [الذاريات: 22] أَوْ عَائِدٌ إِلَى الدِّينَ [الذاريات: 6] ، أَيِ الْجَزَاءُ أَنْ يُؤْفَكَ عَنِ الْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ مَنْ أُفِكَ. وَعَنِ