وَضْعُ الْيَدِ عَلَى شَيْءٍ وَضْعًا غَيْرَ شَدِيدٍ بِخِلَافِ الدَّفْعِ وَاللَّطْمِ. فَعَبَّرَ عَنْ نَفْيِ أَقَلِّ الْإِصَابَةِ بِنَفْيِ الْمَسِّ لِنَفْيِ أَضْعَفِ أَحْوَالِ الْإِصَابَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [المجادلة: 3] فَنَفْيُ قُوَّةِ الْإِصَابَةِ وَتَمَكُّنُهَا أَحْرَى.
وَاللُّغُوبُ: الْإِعْيَاءُ مِنَ الْجَرْيِ وَالْعَمَلِ الشَّدِيدِ.
[39، 40]
فَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (40)
فَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ.
تَفْرِيعٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ كُلُّهُ مِنْ قَوْلِهِ: بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ [ق: 2] الْآيَاتِ، وَمُنَاسَبَةُ وَقْعِهِ هَذَا الْمَوْقِعَ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ [مَرْيَم: 74] الْآيَةَ مِنَ التَّعْرِيضِ بتسلية النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُ الْمُشْرِكُونَ مِنَ التَّكْذِيبِ بِمَا أَخْبَرْتَهُمْ مِنَ الْبَعْثِ وَبِالرِّسَالَةِ وَقَدْ جَمَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْمَوْصُولُ وَهُوَ مَا يَقُولُونَ.
وَضَمِيرُ يَقُولُونَ عَائِدٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ هُمُ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاعِظِ وَالنُّذُرِ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ: بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ.
وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (40) .
عَطْفٌ عَلَى فَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ فَهُوَ مِنْ تَمَامِ التَّفْرِيعِ، أَيِ اصْبِرْ عَلَى أَقْوَالِ أَذَاهُمْ وَسُخْرِيَتِهِمْ. وَلَعَلَّ وَجْهَ هَذَا الْعَطْفِ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يستهزئون بالنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ إِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ مِثْلَ قِصَّةِ إِلْقَاءِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ سَلَا الْجَزُورِ عَلَى ظهر النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَجَدَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي حِجْرِ الْكَعْبَةِ فَأَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى أَخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَهُ عَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ [غَافِر: 28] الْآيَةَ. وَقَالَ تَعَالَى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى إِلَى قَوْلِهِ: كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق: 9- 19] .
فَالْمُرَادُ بِالتَّسْبِيحِ: الصَّلَاةُ وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الصَّلَاةِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أَجْمَعَ